مراعاة العواقب

جمعة, 2022-09-23 11:32

كان أبو القاسم المعمر نائبا للوزير وكان المدلجي كاتبا موظفا لا أهمية له فأرسل المدلجي برسالة يطلب فيها فرسا من نائب الوزير
فردها له من دون جواب استهزاء به واستصغارا لشأنه
وهذه هي القصة كما يحكيها نائب الوزير
قال ( عرضت للوزير أبي القاسم العلاء بن الحسن سفرة، فكتب إلي المدلجي، وأنا حينئذ خليفة العلاء، يطلب مني بغلة سروجية بآلتها، ولم تكن منزلته عندي منزلة من أراعيه أو أعطيه، فرددت الرقعة مع رسوله فلم أجبه عنها، ومضى الرسول ثم عاد إلي ومعه الرقعة بعينها وقد كتب على ظهرها:
فإنك لا تدري إذا جاءَ سائلٌ ... أأنتَ بما تعطيهِ أم هو أسعدُ
عسى سائلٌ ذو حاجةٍ إن منعته ... من اليومُ سؤلاً أن يكونَ له غدُ

قال: فقرأت ذاك ثم أعدت الرقعة ثانياً بغير جواب كما فعلت أولا.

وضرب الدهر ضربة وصرف العلاء بن الحسن ووزر المدلجي، وكنت إذ ذاك أتقلد كورة سابور وكورة أردشير خرة، فأنفذ إلي من أشخصني إلى شيراز، ووردت عليه وأنا لا أشك في القبض علي والمصادرة لي، لما كان من غلطي وسوء فعلي وما قضاه المقدور في، وحضرت مجلسه فقدمني وقربني ورفعني وأكرمني، وأقمت متردداً إليه وأياماً ومتعجباً من فعله وله مستطرفاً، فلما كان في بعض الأيام وقد قمت من مجلسه منصرفاً فتبعني الحاجب . وقال: تقيم يا سيدي ساعة فإن الوزير يريد أن يجاريك شيئاً على خلوة، فلم يتخالجني شك في أنه القبض علي فأقمت خائفاً وجلا، ثم استدعاني وقد خلا مجلسه، وأسر إلى دواتيه شيئاً ومضى وعاد ومعه الرقعة بعينها فأخذها وسلمها إلي.
فلما فضضتها وعرفتها أظلمت الدنيا في عيني، وودت أن الأرض ساخت بي .
وقال لي: لا ترع فإنما واقفتك على فعلك الرذل القبيح لكيلا تستصغر بعدها أحداً وتطرح مراعاة العواقب والنظر فيها، وليكون هذا الفعل مني لك مصلحاً ولأخلاقك مهذباً، ثم خلع علي وردني إلى عملي. )