نظافة المدينة و المعاييرالجديدة للتعيين / محمد عمر أباه الشيخ سيدي

ثلاثاء, 2014-11-11 12:44

من أول العبارات التي يتعلمها الأطفال في المدرسة عبارة (النظافة من الإيمان) ، حتى أن الطفل يظل يكررها في المستوى التحضيري الأول وكأن كل المنهاج مختزل فيها ، لكن مع مرور الوقت وبفعل غياب عامل التربية بالقدوة ، تتحول دلالة هذه العبارة إلى مجرد ألفاظ عابرة ، لا وجود لها حقيقة في مواقف وسلوك الأطفال مقلدين بذلك محيطهم الاجتماعي غير المساعد على ترسيخ هذا المبدأ ،وكم هو طريف جدا أن نعرف أن صانعى الأوساخ وأقذار المدينة جلهم من الأثرياء الذين لهم بسطة في الرزق ، ليلهم ورشة لصنع نفايات من علب المشروبات والمرطبات الفارغة ؛ دون أن يكلفوا أنفسهم مسؤولية إيصالها إلى وعاء القمامات.إن هذه العادة المرسخة في مجتمعنا الموريتاني أو اغلبه لئلا نظلم البعض ترجع على طبيعة البداوة التي تميز بها الموريتاني الذي  عرف بالانتجاع والرحيل تاركا وراءه بقية من رماد و أعواد من شجر وأشواك ليست من ملوثات البيئة الخطيرة .واليوم ومع التحول إلى عالم الحضارة واللهث وراء مميزاتها وخصائصها التي من آكدها وجود بنى تحتية مناسبة ، وما يتطلب ذلك من شوارع نظيفة ومدن جاذبة للمستثمرين أصحاب رأس المال الذي أضحت الدول تراهن عليه وتعمل جاهدة من أجل كسب ثقة المستثمر ، سبيلا لخلق تنمية حقيقية تخفف من وطأة البطالة المستفحلة ، وتحول البلاد إلى ورش عمل ينعم المواطن فيها بالرخاء.إذا في هذه الوضعية،تصبح نظافة المدينة أو تنظيفها على الأصح أمرا وجيها ، خاصة أنه من غير المنطقي أن تظل الشركات الأجنبية تمتص موارد هامة من أموال الشعب الموريتاني تحت طائلة التنظيف الذي يصدق عليه المثل العربي ( المنبت الذي لا ظهرا أبقى و لا أرضا قطع ) سنوات عدة تتابعت والمدينة ترزح تحت وطأة القمامات .هنا يمكننا ـ بموضوعية تامة ـ أن نقول إن قرار الحكومة الموريتانية  بالاستغناء عن خدمات ( المجموعة الفرنسية – ابيزورنو) كان قرارا صائبا بل موفقا إلى حد بعيد ، فمن ينتج القمامات حريّ بإزالتها ، أما أن يكدسها ويظل عاجزا عنها فذلك يعني أن سمات الحضارة ومميزاتها  لا تزال منه بعيدة المنال .وتطبيقا للقولة الشهيرة ( ..إنني لا أدعوكم إلى أمر أنا عنه بمعزل..) أعلنت القيادة الوطنية حملة للتنظيف المدينة  لم يقف عنها بمنأى ، بل وقف  وهو يعطي المثال الأحسن وفرضها على حكومته وعمال دولته ، ومن الطبيعي أن يتم ذلك ، فما كان للبنى التحتية المشيدة أن تجد ألقها وسط لجج الأقذار ، وجميل جدا أن تاتي هذه الحملة والقارة الإفريقية تعاني من أوبيئة مصدرها الأساس هو القمامات والأقذار .إذا هي وقاية وجمال ، وقيمة معنوية من شأنها أن تعطي الصورة اللائقة عن مدينة هي عاصمة البلاد ، لكن الأجمل من هذا كله أن تصدر القيادة الوطنية تعليماتها السامية بمنع صناعة الأوساخ  وهو ما يستوجب اتخاذ قرار يلزم الأثرياء من أبناء الأمة الموريتانية بتقليص استهلاكه الليلي من المرطبات و تمويل حملة تنظيف أسبوعية تشمل الحيز الجغرافي للحي الذي يقطنه ، فماذا لو وضعت نظافة الحي معيارا أساسا للتعيين في الحكومة ؟ ومن ثم نظافة كافة المؤسسات التابعة للقطاع الوزاري المسند ، بينما يكون نظافة المكان معيارا  في تولي الوظائف الأدنى ، ثم تستحدث هيئة عليا تكلف بتطبيق هذه المعايير التي يجب أن تكون معايير مكملة للكفاءة المهنية للشخص المعين، إن التجربة علمتنا أن كل أمر ذي بال لدى السلطان من السهل أن يشكل قناعة راسخة في نفوس الرعية وما شعار محو الأمية  والكتاب في عهد معاوية ولد الطايع ودعم كرة القدم والفريق الوطني وتشجير العاصمة في عهد الرئيس الحالي إلا أمثلة حية على ما نقول .إن تنظيف العاصمة ليس أقل شئنا من هذه الأمور ، ويستحق على الطريقة الموريتانية لأن يستقطب الاهتمام ويشكل حافزا مهما في تولي مناصب في الدولة لا تزال حكرا على ذوي الوساطة و الزبونية وهي معايير يجب أن تستبدل ـ ولو مؤقتا ـ بمعيار التنظيف والنظافة و إزالة القمامة .عندها ستصبح المدينة عالما آخر و تتحول عبارة (النظافة من الإيمان )من مجرد عبارة يرددها الأطفال الى شعار يرفعه الكبار لينعموا بمناصب تناط مستقبلا بـ "نظافة الجيب واليد والجَنَان" .