القدس العربي:فرنسا تثور على وزيرتها التي «لا تقرأ» وتجربة تحالف اليسار والإسلاميين في المغرب

ثلاثاء, 2014-11-11 23:49

دأبنا عادة على الجدل الذي يرافق مقابلات النجوم ولا سيما نجوم الغناء والتمثيل، سواء كان ذلك تصريحات ذات جدوى أو لأحاديث عرضية ليست بذي مغزى. لكن يبدو أن الظروف الأمنية والسياسية على المستوى الاقليمي والدولي اليوم جعلت الوجوه السياسية العنصر الأبرز المستأثر على الساحة الاعلامية، والأكثر تأثيرا على المتابعين. بل وباتت حوارات السياسيين هي التي تصنع الفارق وتخلق الجدل الواسع على حساب الكثير من نجوم الفن، الذين استأثروا طويلا باهتمام الرأي العام والإعلام العالمي. وفي هذا السياق اهتز الرأي العام الفرنسي الأسبوع الماضي ودخل في سجال وجدال لم ينته إلى اليوم عقب استضافة الصحافية «مايتنا بيرادن» لوزيرة الثقافة الفرنسية «فلور برلان» في برنامجها الأسبوعي «الملحق» الذي يبث أسبوعيا على قناة «كنال بلوس».
للوهلة الأولى بدا الحوار شيقا وتلقائيا، كما اعتادت هذه الوزيرة في إطلالاتها الإعلامية، وتطرق إلى جوانب عدة من عملها حتى الوصول إلى الحديث عن الروائي الفرنسي «باتريك مودينانو» الحائز منذ أسابيع قليلة على جائزة «نوبل» للأدب لسنة 2014.حيث سألت المقدمة الوزيرة عن الكتاب المفضل لديها ل»مودينانو» آنذاك ارتبكت الوزيرة برهة ولكنها أجابت بتلقائية أن مشاغلها الكثيرة لم تترك لها حيزا زمنيا لمطالعة الكتب،وإن قراءتها للمذكرات الإدارية والتقارير والقوانين وبرقيات الأخبار لم تترك لها فرصة لمطالعة الكتب منذ عامين ونصف العام، أي منذ تعيينها وزيرة في ربيع 2012 إثر فوز فرانسوا هولاند في الانتخابات الرئاسية.
إذ تقلدت «فلور برلان» حقيبة وزارة التجارة الخارجية، ليتم تعيينها وزيرة للثقافة منذ شهر آب/أغسطس الماضي. هذا التصريح التلقائي الذي أدلت به الضيفة أثار حولها هالة من النقد اللاذع واللوم عبر مختلف وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، ولدى الرأي العام، هذا إلى جانب الحملات التي شنها الكثيرون ضدها داخل وخارج فرنسا. كما طالبها الكثير من المثقفين والمفكرين والأدباء الفرنسيين بالاستقالة عقب هذا التصريح الذي اعتبروه بمثابة الإهانة لبلدهم.
قد يجد البعض أن في الأمر الكثير من المبالغة والقسوة على هذه المرأة، التي لم تتجه إلى التلاعب أو اختلاق مبررات جوفاء، كما يذهب إلى ذلك الكثير من السياسيين. لكن وبالعودة إلى التاريخ الفرنسي وتحديدا المرتبط بمسألة وزارة الثقافة فإن الأمر على غاية من الدقة والحساسية، وقد تكون له تبعات أخرى في الأيام المقبلة. ذلك أن وزارة الثقافة الفرنسية بشكلها الحالي كان قد أنشأها «شارل ديغول» عام 1959 وتم تعيين الكاتب أندريه مارلو على رأسها في تلك الفترة ليصبح ذلك نهجا سارت عليه مدينة الأنوار في ما يتعلق بهذه الوزارة بعد ذلك.
حيث أصبح اختيار الكتاب أو المهتمين جدا بالثقافة من ضمن المعايير اللازمة في كل وزير ثقافة فرنسي، هذا بالإضافة إلى كونها بلدا يصدر سنويا أكثر من 70 ألف كتاب في المجالات كافة.
من جهة أخرى يدرك الجميع أن هناك 15 من الأدباء الفرنسيين نجحوا في حيازة جائزة «نوبل» وهو عدد قياسي. وبذلك بدا اعتراف الوزيرة على الملأ بأنها لا تطالع الكتب، وعجزها عن ذكر أحد أسماء روايات باتريك موديانو الفائز بالجائزة الشهيرة منذ أسابيع قليلة بمثابة الفاجعة.
زد على ذلك أن تولي فلور برلان لهذه الحقيبة قد جاء حسب الكثير من النقاد في إطار صراعها مع الوزيرة السابقة آريل فليبيتي. إذ قامت الأخيرة بمنعها من المشي فوق السجادة الحمراء وجعلتها تدخل من باب جانبي في فعاليات مهرجان كان السينمائي 2013 مما يجعل تولي بيريلين المنصب بمثابة ردة الفعل. ويعمق هذا التخمين كون بيرلان يغلب عليها التكوين العلمي حيث تمحور مجال دراستها حول الاقتصاد بصفة أكبر. وبالإضافة إلى كل هذه الاعتبارات فإن المواطن والمثقف الفرنسي له ما يبرر ردود فعله إذا ما عدنا إلى التقارير والأرقام التي ترصد معدلات القراءة في كل بلد. فحسب الإحصائيات الرسمية فإن 72139 كتابا صدرت في فرنسا سنة 2012 وبمعدل ثمانية آلاف نسخة للكتاب الواحد. كما أوضحت الإحصائيات أن الكتب الجاهزة وقيد التداول تبلغ 650 ألف كتاب.
وفي عام 2011 بيع في فرنسا 690 ألف كتاب وقد ارتفعت المبيعات في العام التالي إلى 705 آلاف كتاب. وتنشط في ميدان نشر الكتب 265 دار نشر رئيسية موزعة بشكل رئيسي على العاصمة باريس وعلى المدن الكبرى. وإدراج هذه الأرقام لا يأتي في إطار التحامل على هذه السيدة الآسيوية التي يشهد لها الفرنسيون بقوة عزيمتها وتفانيها في المناصب التي اعتلتها. وإنما في الحقيقة يأتي في إطار التساؤل عما إذا كان هذا التصريح سيجد الردود نفسها لو أنه صدر عن وزير عربي؟ هل سيشعر هؤلاء بالغضب والاستياء من كون وزير الثقافة لا يقرأ؟ومرة أخرى سنتجه نحو حديث الوزراء وتحديدا مع العنصر النسائي، ومن فرنسا نحط الرحال في المغرب مع مراعاة الفوارق بين البلدين طبعا. حيث حلت الوزيرة المنتدبة المكلفة بالماء شرفات أفيلال ضيفة على برنامج «90 دقيقة للإقناع» الذي يقدمه الصحافي يوسف بلهايسي على قناة «ميدي1 تي في». لكن حديثها الجدلي لم يقع في فخ التلقائية الذي وقعت فيه نظيرتها الفرنسية.
البداية كالعادة كانت بتقرير عن مسيرة الضيفة المكللة بالنضال والنجاح في صلب حزب الاشتراكيين التقدميين، وهو المعطى الذي انطلق به الحوار. حيث تساءل المقدم عن حقيقة التحالف الحكومي بين حزبها اليساري التقدمي وحزب العدالة والتنمية الاسلامي؟ وما إذا كان ذلك قد أبعد الحزب عن جوهر مبادئه وأهدافه؟
وبحنكة السياسي أكدت الوزيرة المغربية أن المصلحة العامة تتطلب توحيد الصفوف اليوم دون أن يعني ذلك انسلاخهم عن جوهر مطالبهم التي عرفهم بها المواطن المغربي. والمطلع على الشأن العام الداخلي المغربي يدرك أن توحيد الصفوف والفسيفاء الحزبية التي تتضح شكليا على سدة الحكم لا ترى لها انعكاسا على المستوى العملي.

فاطمة البدري