هل فشل ما سمي بالربيع العربي . د. محمد بدي أبنو

سبت, 2015-04-18 17:33

 يستطيع اتجاه الرياح أيا كان أن يساعد سفينة ليست لها وجهة.” سينيكا  ـ1ـ يخلص   ‘لو رانس  وايتهيد’ الباحث السياسي في جامعة اكسفورد في دراسته الصادرة هذه السنة: ” عن ‘ الربيع العربي’ : دمقرطة ومواسم أخرى مرتبطة” إلى ثلاث نقاط. أولها أنّ المنطقة العربية لم تشهد إلى الآن ظهور دول نافذة يمكن ان تمثل قاطرة للدمقرطة. فالدول العربية الأكثر نفوذاً الآن ما تزال هي الأكثر تمنعا على الدمقرطة والأكثر عداء لها. ‘وايتهيد’ يقارن هنا المنطقة العربية بمناطق اخرى شهدتْ مسلسل دمقرطة حديثة العهد مثل دول جنوب وشرق أوربا ودول أمريكا اللاتينية ودول جنوب شرق آسيا. ويحاول أن يُثبتَ أن كلّ هذه المناطق عَرفتْ بروز دول ديمقراطية نافذة هي التي مثلتْ القاطرة الديمقراطية بالنسبة للدول المجاورة لها. النقطة الثانية هي أن الخوف التقليدي مما – وممن- يمكن ان تحمله – تحملهم – الانتخابات إلى السلطة لم يزد مع الربيع العربي الا قوة كعامل من بين عوامل أخرى تجعل التغيير الديمقراطي في العالم العربي لا يتمتّع – عكسا لمناطق أخرى – بأي دعم دولي ولا يتمتع بشكل خاص بأي دعم أوربي أو غربي. بل يواجه بالأساس تحركا دوليا مضادا. أما النقطة الثالثة  فهي أن ما عُرف بالربيع العربي قد تمّ فعلا تقويضه مرحليا في المواسم التي تلتْه إلا أن العودة الى ما قبله أصبحتْ مستحيلة، فهناك مسبقات وتابوهات قد انهارت وهناك أجيال جديدة كوّنتْ وعيا متصاعدا بالقوة التي تتمتع بها وأدركتْ حجم ما منتْحه وتمنحه لها التحولات الإعلامية والتقنية الراهنة. ـ2ـ من البديهي أن الدول العربية كدول مابعد استعمارية تعاني من الثنائية التقليدية : تغول السلطة وهشاشة الدولة. بل إنها تبدو الأكثر معاناة من هذه الثنائية من بين كل الدول الموروثة عن الاستعمار. وهي هشاشة بنيوية تجد بمقتضاها هذه الدول عجزا وجوديا في التمتع بشرعية مقْنِـعة غير شرعية الأمر الواقع. وبالتالي فهي من جهة  تعاني من صعوبة فرض ذاتها بوسائل غير العنف البوليسي. وهي منْ جهة ثانية تميل الى التماهي مع نظامها الحاكم، وهو أمر وصل ذروته في الدول العربية شبه الستالينية التي اتّضح أنه يصعب إسقاط الأنظمة الحاكمة فيها دون إسقاطها هي. أي أنها بلدان قد تماهتْ فيها الدول مع الأنظمة القائمة أو كادتْ. وبالتالي قدْ فقدتْ فيها المؤسسات الدولتية جزءا كبيرا مما يفترض أنه جوهرها العمومي. من هنا ظلّتْ الاستراتيجية الدعائية القديمة تلحّ على أن الخيار في العالم العربي ليس بين الاستبداد الأوتوقراطي والدمقرطة، ولكن بين الاستبداد القائم والاستبداد البديل. أما بعد ثورات “الربيع”، خصوصا بعد ما حدث في ليبيا وسوريا، فقد تشكلتْ استراتيجية دعائية نصف جديدة تنبني على أن الخيار المتاح هو فقط بين استبداد الأمن و استبداد الفوضى. والأمثلة معروفة : فوضى التفكك الطائفي (سوريا، البحرين) أو التفكك القبلي الجهوي (ليبيا) أو هما معا (اليمن). أي أنها تستعيد وتستثمر على مدى أوسع مفردات التعبئة التي روجَ لها بخصوص الجزائر خلال أزمة التسعينات. وإذا كانتْ الجزائر قد خرجتْ وإن بصعوبة بالغة وبثمن إنساني واقتصادي وسياسي باهظ من أزمة التسعينات فإنّ أحد العومل التي ساعدتْها هي غياب التعدد الطائفي (باستثناءات غير مؤثرة جديا) والنجاح النسبي في احتواء التعدد الثقافي والجهوي. ـ3ـ تهتمّ دراسة أعدّتْها منذ سنة الوكالة السويدية للبحث في قضايا الدفاع، بحالتي المغرب والجزائر كاستثنائين لا فتين في خريطة التحولات التي حملتْها ثورات ‘الربيع’. فقد عرف هذان البلدان باكرا تأثير أحداث تونس بحكم عوامل القرب الجغرافي والاجتماعي والثقافي إلخ ولكن أيضا بحكم معطيات سياسية واجتماعية متعددة أحدها وجود هوامش حرية معتبرة نسبيا في البلدين. وبالرغم من أن نظامي البلدين ظهرا أكثر حنكة في محاولتهما تفادي الصدام الشامل مع المظاهرات الشبابية واستباقها عبر بعض “التنازلات” الاحتوائية. وهي “تنازلات” أخذتْ أساسا طابعا اقتصاديا بالنسبة للجزائر التي تمتلك قدرات ريعية كبيرة بينما أخذتْ طابعا سياسيا بالنسبة للمغرب الذي لا يتلك امكانيات اقتصادية مماثلة