الدنبجة ولد معاوية ، العالم الورع

خميس, 2014-11-20 11:27

بقلم : الشيخ المصطفى بن أحمد محمود بن الدنبج

الدنبج بن معاوية ( 1337 هـ 1918 م - 1418 هـ 1997 م )

هو العالم العلامة الفهامة شيخ الشيوخ في الإقراء في عصره صاحب الدواوين والانقال مربي الأجيال الشيخ الدنبج بن أحمد محمود بن محمد بن معاويه بن محمد عبد الرحمن بن المصطفى بن أشفغ الدنبجه التندغي ثم الحلي.

نشأ في محظرة أهله أهل أشفغ الدنبجه التي ترجم لها المؤرخ المختار بن حامد باسم محظرة ابناء المصطفى بن اشفغ الدنبج مفتتحا بها محاضر الحلة،

والده أحمد محمود (الللاه) (ت 1360 هـ ) عالم مقرئ واقاف عند كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
تخرج على يديه كثير من الناس على رأسهم ابناه القارئ عال بن معاوية و العالم الشاعر النابغة المصطفى بن معاوية وأبناء الشيخ سيديا في القرءان والعالم الشاعر يحي بنت حبيب غيرهم كثير
ترجم له الشيخ الدنبجه في واضح البرهان،
ومحمد (ت 1312 هـ ) المعروف بالبكاء لبكائه من خشبة الله وشهادة الشيخ سيدي باب بن الشيخ سيديا له بذلك معلومة مشهورة في قصة إرسال ابنه عبد الله إلى الفرنسيين في أمر الللاه حين قال له قل لهم "هذا يبكي أبوه من خشية الله"،
وهو أي محمد عالم قارئ محدث أعلم بعلم القرءان والحديث منه بغيرهما وانتهى إليه الإقراء في منطقة أبي تلميت،

ومعاوية عالم عامل قال عنه العلامة الدنبجة في تاريخ أعيان القبائل
"كان معاوية عالما معاصرا لمحمد محمود بن حبيب الله وهو الذي قرأ عليه غال البصادي ومحمود ولد الرباني
وكان عندنا نظم البعوث لغال بخطهما وخطهما في غاية الحسن.."
ويقول فيه ابد بن محمود العلوي:
معاوي يا ذا الحلم والعلم والتقى
بخطك لا غالتك غائلة الردى
بنو المصطفى المصفون بالعلم والتقى
تراث أبيهم ذي المكارم والندى...الخ
يعنى أبناء المصطفى بن أشفغ الدنبج، معاوية ومحمذن الملقب من وأحمدو ومحمد المختار،
ولازال ولله الحمد والمنة حسن الخط في الأسرة..
ويقول بدي بن سيدينا بن اشفغ سيد احمد العلوي في محمد بن معاويه :

أمحمد بن معاوي بن محمد
السيد بن السيد بن السيد
اسلم وعش قرنا وأنت مؤمن
من شر غائلة وشـر الحسد
الى ان يقول:

أبناء سارة وهي تحكي سارةً
ومحمد يُحْيي طريق محمد
وهم معاويُ والمبرز خالد
وإذا دعوا فافخر بعمك أحمد
بثلاثة كانوا سنام قبيلهم
إن الثلاثة للنجاح بمرصد
كانوا كحلقة فاطم أو خيل بو
زِنِّيبَ في المجـد الأصيل الأتلد
من كل جَحْجَاح يصعد طرفه
نحو المـعالي رائح أو مغتد
من كل ما حلوِ الخلال ترى به
رُقَع المداد كمثل كحل الإثمد
يضع الكتابة في المهارق محسنا
وضع الجمان علي نحور الخرَّد
فَـيُرون في وضح النهار وهم هم
ما ترتضي من قربة وتعبد
فتراهم مابين منتسخ وذي
نظر يطالع كتبه متعـبد
متهيئ لليل يرقب جوفـه
سهر إذا اعتكر الدجى متهجـد
متورع متحوب متأثم
متأدب متحبب متودد
متواضع متغافل متجاهـل
متهيئ متشمر متـجرد
لا يأمن المتسلطون شرورهم
والبأس يكمن في الحسام المُغمد
هذا العلى والمجد أجمع ويـك لا
شرب الرثيئة من مخيض مزبد

وابناء محمد عبد الرحمن وأمهم سارة بنت احمد محمود بن أشفغ الخطاط وحسن الخط في الأسرة ينسب إلى الانتماء إلى اشفغ الخطاط..
والمصطفى بن اشفغ الدنبجه هو مجدد المحظرة في آمشتيل بعد والده أشفغ الدنبجة وجده آمزغزن والذي أنشأ المحظرة بعد رجوعه من "شربب"
فالمصطفى بن أشفغ الدنبج هو الذي استورد الكتب النفيسة من المغرب ومن بين الكتب التي جاء بها التزامات الحطاب
وتوفي في القرن الثاني عشر وأشفغ الدنبجه هو صاحب قصة (لن تنالوا..)
المشهورة وذلك أن والدنا أشفغ الدنبج رحمه الله كان عادة يوقد ناره بالسحر للعبادة والتعليم والإقراء وكان وقافا عند كتاب الله ووقع أنه ذات مرة كان أحد صغار تلامذته يقرأ من لوحه (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون..)
فلما سمع الشيخ كلام ربه اشتاق إلى البر وقوفا مع كلام ربه وعملا بمقتضاه وبدأ يتخير من أحسن ماله ويعطي في نفس اللحظة ويقول الناقة الفلانية لأهل فلان أو البقرة الفلانية لأهل افلان وكان كلما كرر الطفل القراءة في لوحه عاد الشيخ إلى الإعطاء والإنفاق فخشيت أم أولاده والدتنا خديجه بنت إميجن الملقبة إيجاب رحمها الله أن ينفد ماله فجاءت بشن من تمر وقذفته في حجر الطفل فاشتغل بالتمر وترك القراءة..
وصار صاحب لن تنالوا لقبا لأشفغ الدنبج
وهو لقب يجمع بين الوقوف عند كلام الله والإنفاق والسخاء.

وفي ذلك يقول العلامة الأديب عبد الرحمن ولد المبارك ولد يمين الكناني في رأس القبيلة المصطفى بن محمد الدنبج حفيد أشفغ الدنبج :

الا يتعطاوك جدين
هوم ساس الدنيه والدين
الدنبح جدك الامين
فوت عمرو هو مالو
بين الفقره والمساكين
هو صاحب لن تنالوا
جدك لوخر يسو جدين
حالو يكفي عن سؤالو

والجدين اللذين عناهم هما أشفغ الدنبج وأشفغ الخطاط فأشفغ الدنبج جد جده صلبا فالمصطفى بن محمد الدنبج بن محمذ الملقب من ابن المصطفى بن أشفغ الدنبج، وأشفغ الخطاط الملقب آبيه جده مرتين إذ أن أم المصطفى هي أم المؤمنين بنت عبد العزيز بن أحمد محمود بن أشفغ الخطاط وأم جده محمذن الملقب من فطمة بنت أشفغ الخطاط،

وفي ذات المعنى يقول العلامة الشيخ محمد احمد امد ولد محمو ولد الرباني مادحا أهل أشفغ الدنبج :

فيض أبيهم جدنا يجاري
جداه فيض السيل في المجاري
ب لن تنالوا البر بالأسحار
فاق جميع ساكني الصحاري

ويقرر ذلك العلامة الشيخ الدنبج بن معاوية صاحب الترجمة في داليته المشهورة:

خليلي ما بي غير أن بعدت دعد
فألبسني بردا من السقم البرد
تهيج لي الحمى تباريح حبها
رواحي وتغديتها علي إذا أغدو

إلى يقول:

ديار أقمنا بينهن ليائلا
لذائذ ما فيها اضطغان ولا حقد
تمر بنا الأعوام فيها كأنها
أسابيع والأيام طالعها سعد
محلة ءابائي ومسقط مفرقي
وأول أرض مسها مني الجلد
منازل أنباء الدنبج وإنها
منازل قوم فيهم رسخ المجد
أولئك من أزمان شربب فيهم
سيادة هذا الحي والحل والعقد
أكارم ما تدري إذا ما أتيتهم
أشيبهم أندى أم الفتية المرد
لهم رتب موروثة عن أبيهم
أخي لن تنالوا البر والكرم التلد..

وعلاقة العالمين أشفغ الدنبج وأشفغ الخطاط عريقة تليدة وجعل الله بين ذريتيهما نسبا وصهرا؛
فأمهات أهل أشفغ الدنبج من أهل أشفغ الخطاط أربع فطمة بنت أشفغ الخطاط أم عيال المصطفى ولد أشفغ الدنبج وسارة بنت أحمد محمود بن أشفغ الخطاط أم عيال محماد رحمن بن المصطفى بن أشفغ الدنبج وصفية بنت محمدو بن أشفغ الخطاط أم عائشة بنت محمد المختار بن المصطفى بن أشفغ الدنبج وأم المؤمنين بنت عبد العزيز بن أحمد محمود بن أشفغ الخطاط أم عيال محمد الدنبج بن من بن المصطفى بن أشفغ الدنبج،
وكذلك مريم بنت من بن المصطفى بن أشفغ الدنبج أم أهل الحسن بن أشفغ الخطاط.

وقد روي أن أحد أفراد أسرة أهل آب الفنية قدم من حي أولاد دمان بين بوسديرة وبوطليحية ونزل في حينا في افريك أهل أشفغ الدنبج بذات النمل انتوطفين وغنى بهذه الطلعة افتتاحا فأكرم إكراما وأقام هناك بأحسن إقامة.

تربى الشيخ الدنبج في هذا الجو المشحون بمجد الآباء ولم تكن أمه إلا دواة من هذه المحظرة الحريقة إنها العابدة المنفقة ءاسية بنت المصطفى بن محمد الدنبجه بن محمذ (من) بن المصطفى بن اشفغ الدنبجة..

والدها المصطفى بن محمد الدنبج رأس العشيرة، وأبوه محمد الدنبج عالم قرأ عليه خلق كثير من أجلهم العلامة محمذ فال يحي بن أحمدو فال ،
يقول في رثاءه الشاعر محمدو بن محمدي العلوي:

نعى محمدنا الناعي فقلت له
هلا عطفت عليه العلم والعملا
حبر تواضع للمولى فصار له
به على كل من رام العلو علا
ساس الأنام بسلطان التقى فله
قد أصبحت خولا منه ذوو الخيلا.
من عاش للناس أما طالما حضنت
أبناءها وأميرا طال ما عدلا ...

نشأ الشيخ الدنبج في محظرة والديه العريقة الضاربة في التاريخ..
حفظ القرءان ودرس بعض الكتب الصغيرة ثم لما أن أراد التفرغ للعلم ابتعد عن الاهل، إذ كان ذلك ديدن الزوايا لئلا ينشغل الدارس بمشاغل الأهل والاقربين فقصد محظرة القارئ محمد بن الرباني القلاوي (ت 1363 هـ )
بالدخن وتخرج من عنده في علوم القرءان بشهادة السند في روايتي قالون وورش عن الإمام نافع والتي جعلها موضوع كتابه واضح البرهان في ترجمة أشياخي في القرءان والذي ترجم فيه لجميع اشياخه شيخا شيخا،
وسمعت الوالد الإمام الدكتور أحمد محمود بن الدنبج يقول إن الواضح هو أكبر ببلوكرافيا في تاريخ القرءان في موريتانيا بل وفي شمال إفريقيا.
وقد كان الشيخ الدنبجه أيام مقامه مع شيخه محمد لقي شيخه الفالل الحسني البنعمري (ت 1376 هـ )
فأمر الأخير محمدا بإجازة الدنبجه وكان الدنبجه يود رفع السند كما صرح بذلك في الواضح..
ولما تخرج من عند شيخه محمد مدحه بقصيدة ثائية مطلعها:

ألا يا راكبا جملا دلاثا
به يفري الزيازي والرماثا...

ثم توجه إلى محظرة أهل اباه وشيخها آنذاك العلامة التاه بن يحظيه بن عبد الودود وانكب على علوم النحو واللغة فدرس،
الألفية؛
وشروحها ؛
واللامية ؛
وشرحها؛
وكتب اللغة كمختار الستة الشعراء وغيره من أمهات الدواوين التي تدرس في المحاظر،
قال لي الوالد الإمام أحمد محمود(بدي):
"كان الشيخ الدنبجه في هذه الفترة شاعرا ولغويا أكثر منه فقيها إذ ناظر الشعراء وساجل الأصدقاء ولاسيما نظراءه من من كانوا معه في مدرسة أهل اباه
"
ومن أمثلة ذلك مناظرته لعبد الله السالم بن يحظيه واكليكم بن متالي..
ويقول الدنبجه لاكليكم :
لحا الله الوشاة تكنفونا
وهموا أن يضلونا السبيلا
ولاموا في هوى لبنى ونموا
وما أغنى ملامهم فتيلا
ولبنى لو يقابل ذات يوم
كليكم وجهها نسي القبيلا
وأنساه الهوى عصر العلندى
وصيره الهوى شيخا محولا
ويجيب اكليكم:
الا ياصاحبي حي الطلولا
وعج بي بينها العنس الذلولا
وقف واسكب دموعك في رباها
ولا تك بالوقوف بها ملولا
إلى ان يقول:
ولو سمع الوعول النطق منه
لأنزل من فصاحتها الوعولا
ولو أن الدنبج رءاه أمسى
يرى تذكار ءامنة فضولا
وفي هذه الفترة شرح الشيخ الدنبجه ديوان غيلان وهو عندنا في المكتبة بخطه،
خط غاية في الروعة، مشروحا ومطررا كما شرح بالتعاون مع شيخه التاه قصيدة المقصور والممدود لابن مالك الجياني ووضع شروحا كثيرة لأنظام النحو فذيل وعلق على كثير منها وقد جمعها الاستاذ محمد الحافظ بن الدنبجه وصححها ونقحها الوالد الإمام أحمد محمود وهي الآن تحت الطبع.
ولما تخرج الشيخ الدنبجة من محظرة أهل اباه نحا صوب محظرة ءال عدود مخلفا وراءه قصيدة في مدح شيخه التاه مطلعها:

قديم البث هيجه رسوم
محيلات بجنبة ما يقوم
وبث أخي الهوى إن لم تقمه
معاهد ما يقوم فما يقوم
إلى أن يقول:

ليالي شيخي التاه المفدى
تبلغه الضبارمة الرسوم
هو البحر الغطمطم فاعلموه
حذار حذار يا من لا يعوم

نعم اتجه الشيخ الدنبجه رحمه الله لمحظرة محمد عال بن عبد الودود المباركي (ت 1981 م) بشهلات حيث بدأ ينهل من الفقه وأصوله وكان كتاب الشيخ خليل هو أهم مدروس له في هذه المدرسة مع شروحه والأصول وبعض جوانب اللغة وتخرج الشيخ الدنبجه من هذه المحضرة في الخمسينيات من القرن الماضي ومدح شيخه محمد عال بن عدود بقصيدة طائيه مطلعها:

ألمت بنا جمل وقد هجع الرهط
ومن دونها الكثبان والريع فالملط
وعهدي بها كسلى فواها لطيفها
إذا خبط الظلماء ساعده الخبط
إلى أن يقول:

لعمري لإن خطت بهن يد البلى
أساطير لا شكل بهن ولا نقط
أقول إذا اشتد الهوى بجوانحي
أشوقا وأترابا غدائرها شمط
عست خطواتي بينهن ستقتفى
كأني إلى ذا الشيخ كنت بها أخطو
ثمال اليتامى والأيامى محمد
إذا اغبرت الآفاق واعتكر القحط
إلى ان يقول:

لعلمك تأتي الفرس من أرض فارس
وتأتي من أرض القبط تطلبه القبط
فما العلم إلا ما تنوقل عنكم
وما الضبط إلا ما أتى منكم الضبط
ألا فاعلموا يا ساكني الشهل أننا
عزيز علينا الشهل والزرق والرقط

ويقول العلامة محمد الحسن بن الددو في نظمه لترجمة الشيخ محمد عال بن عدود عند ذكره لمشاهير من تخرجوا من محظرته:
ممن تصدر عليه ابناه
من شيدا من بعده بناه
يحيى الذي قد أخذ الكتابا
بقوة واستصحب الصوابا
إلى أن يقول:

كذا الدنبج بن معاوي به
فابدأ قريع وبليغ حزبه

خرج العلامة الشيخ الدنبجة من هذه المحطة المحظرية الأخيرة وقد أصبح عالما منتهيا في جميع فنون المحظرة الشنقيطية آنذاك ليبدأ رحلة العطاء بعد أن انهى رحلة الأخذ كان ذلك في الخمسينيات من القرن العشرين تقدم بعد ذلك للتدريس وشارك في امتحانات أجريت في أبي تلميت للقضاة وللمعلمين فنجح نجاحا باهرا مع كوكبة من العلماء من بينهم:

المحدث محمد بن أبي مدين
القاضي محمد يحي بن محمد الدنبجه؛
والشيخ عبد الله السالم بن يحظيه؛
والشيخ محمد سالم بن عبد الودود؛
والشيخ هارون بن الشيخ سيديا؛
وغيرهم..
ونشر الأستاذ محمدو ولد اشدو لائحة النتائج بالترتيب حسب النقاط على صفحته على الانترنت..

إلا أن الشيخ الدنبجه رفض القضاء تأثما منه..
واختار التعليم.
علا شأن الشيخ الدنبجه في أبي تلميت فدعاه الشيخ عبد الله بن الشيخ سيديا وطلب منه التدريس في المعهد العالي بأبي تلميت فقبل ذلك مدرسا لعلوم النحو والصرف صحبة جيل من العلماء أمثال،
شيخه محمد عال بن عبد الودود؛
وابنه محمد سالم المباركيين،
والشيخ المختار بن حامد ؛
والشيخ محمد بن أبي مدين الديمانيين،
والشيخ اسحق بن محمد بن الشيخ سيديا ؛
والشيخ أحمد بن مولود الانتشائيين،
وغيرهم..

كان هذا المعهد معهدا إسلاميا لتدريس العلوم الشرعية واللغوية..
كان جامعة نادرة..
كان على مستوى عال فعلا..
تطابق اسمه مع حقيقته..
امتازت هذه الفترة بالنسبة للشيخ الدنبجه بالعطاء إذ ألف كتابه شرح البعوث للشيخ محمد بن محمذ فال بن أحمدو فال (1400 ه) شرحا طويلا..
كما علق على قضية حلق اللحية التي أثارت ضجة واسعة آنذاك في أبي تلميت حيث كان المحدث محمد بن أبي مدين لا يرى إلا كراهة حلق اللحية فألف كتابا سماه الطرف المليحة وأرسله إلى الشيخ الدنبجه فقرظه قائلا:

قريحة صاحب الطرف المليحة
بها الرحمن بارك من قريحة
أفاد بها تريك لسان عرب
رعى قيصومه غضا وشيحه
حوت حكما وأحكاما صحاحا
وأشعارا وأخبارا صحيحة...

وألف الشيخ محمد يحي بن عبد الودود المباركي كتابه المسمى سد الثغور في حلق بعض الشعور ردا على كتاب المحدث محمد بن أبي مدين يبين فيه حرمة حلق اللحية
أرسل الكتاب إلى الشيخ الدنبجه فقرظه بأبيات في غاية الروعة:
حلق بعض الشعوب بعض الشعور
سد منه الثغور سد الثغور
حين أبدى سطوره القرم يحي
دررا في كتابه المسطور
مستدلا له بمحكم ءاي
ظاهرات الدليل أي ظهور
وصحاح من الحديث حسان
وبفقه مرجح مشهور
ليس ذا بالغريب فهو ابن بيت
جددوا منهح الهدى عن دثور
ءال عدود القضاة الهداة ال
قادة السادة البحور البدور
هم تلافوا دروسه بدروس
ودت الحور جعلها في النحور
وعبارات بارك الله فيها
تنبت البقل في صلاب الصخور
رب ذا البيت لا ونى في المعالى
شامخا ءال بيته المعمور..

حدثني الأخ الشقيق محمد يحي أن أحد أبناء محمد يحي بن عبد الودود حدثه أن هذه القطعة عنهم في كناش لمحمد يحي بن عدود بخط الشيخ الدنبجه،

كما قرظ نقولا للشيخ محمد بن المصطفى البرتلي تلك النقول التي ندبه لتأليفها يعقوب بن أبي مدين يقول الشيخ الدنبجه:
أتتنا جوابات من السيد الندي
أخي العلم سيف المشكلات المهند
محمد بن المصطفى من نقوله
ألذ من الماء المبرد للصدي
إلى أن يقول:

نقول أتت من ماجد الأصل خضرم
سلالة ءاباء خضارم مجد
نقول صحيحات كأن حروفها
تقاصير ياقوت بلبات خرد
فود العذارى الغانيات لو انها
فويق تراقيها مكان الزبرجد
فلا عبقري اليوم يفري فريه
إذا ازدحمت عوص القضايا بمورد
دعاه لها يعقوب شهما موفقا
فلما دعاه لم يجده بقعدد

وفي هذه الفترة أيضا ظهرت إشكالات جديدة منها الصلاة في الطائرة ومنها ثبوت الأهلة بالراديو وكان هذا حدثا شكل عائقا كبيرا بالنسبة للزوايا والمحاظر فمنهم من أخذ موقفا سلبيا من هذه المستجدات ومنهم من كان أكثر تفهما..
كان الشيخ الدنبجه من هذا النوع الأخير فألف نظما بوجوب الإفطار بالراديو وأن الإثبات به يصح قياسا على الوقد للمنائر وضرب المدافع يقول :

إن تنصب الحكومة الأدلة
على ثبوت الشهر كالأهلة
كضرب أهل مصر للمدافع
والوقد للمنائر السواطع
حيث تعارفوه عند الوضع
علامة على الثبوت الشرعي
فانظره في النفراو شهم القوم
على الرسالة بباب الصوم
إلى أن يقول:

والردي في الثبوت أصرح فع
من المنارة وضرب المدفع
وخبر السلطان بالمرضاة
أوجه من موجهي القضاة
والاستفاضة وحكم القاضي
أو أنه عنه الثبوت ماض
عنهن يكفي العدل إذ هذا خبر
واثنان أولى عند كل ذي نظر
إلى أن يقول :

والنقل عن حكم الإمام الأعظم
به الوجوب عم كل مسلم
لكنه لا بد من عرفان
صوت الذي أذاع بالبيان
إلى آخره وهو نظم طويل..40 بيتا
فعلق القاضي محمد بن محمذ فال بن أحمدو فال علي نظم الشيخ الدنبجه بقوله وهو عندنا بخطه:
"هذا النظم لم يظهرلي إلا صحته مع أن الراديو الظاهر لي أنها إن تعدد أفادت العلم أو قربه فقد صرحوا في التواتر أنه ما يحصل به العلم أو الظن المقارب له واما الواحدة ففي القلب وسوسة منها وإن كان المخرج منها واحدا فلا يسوي الفرد وغيره"
وقال ايضا :

إذا جرت عادة أن لا توقدا
قنادل رأس المنار أيدا
إلا إذا ما ثبت الشهر فمن
رءاه خارجا فبالصوم قمن
فلا خلاف وكذلك نيروا
لنا وفي الغالب لا ينير..الخ 14 بيتا.

ثم جاء العلامة محمد سالم بن عدود بنظم أيد فيه كلام العلامة الدنبجه فقد كان العلامة محمد سالم يرى أنه متى ورد النقل عن الإمام الاعظم كفى ذلك من الإثبات كما قال الشيخ الدنبجه سابقا:
والنقل عن حكم الإمام الأعظم...الخ
فقرظ العلامة محمد سالم النظم وأبعد في تصحيح رؤية الشيخ الدنبجه حتى اعتبر أن معرفة المذيع ليست شرطا وفي ذلك يقول :

وليس عرفان المذيع يشترط
عندي ولا أعرف من له اشترط
إذ هو عن أمر ذوي الأمر ورد
ولو يكون وحدا به انفرد
كموقد للنار في منار
مع جهلنا لموقد للنار

واصل الشيخ الدنبجه رحمه الله التدريس في معهد أبي تلميت إلى سنة 1962 م حيث استدعته وزارة التعليم إلى مزاولة التدريس بالوزارة ولم يعد معارا المعهد الإسلامي الذي هو مؤسسة خصوصية..
خلف الشيخ الدنبجه في أبي تلميت تلاميذه الذين نهلوا من النحو والصرف حتى ألفوه وألفهم منهم:
الشيخ محمد سيد بن محمد سيد الإميجني
والشيخ إبراهيم بن احمد مسكه الإدوريشي
وغيرهم كثير ...
مع أجازة الشيخ الدنبجه لهم في المقرأ.
لينتقل بعد ذلك إلى حيه ومضارب عشيره ..
مؤسسا للمدرسة النظامية بعلب آدرس ومديرا لها..
وشيخا لمحظرة ءاباءه وأجداده في نفس الوقت
وبدأ في نثر ددر علمه في حيه
بدأ في بناء جيله
ذلك الجيل الذي تربى على مقاسه رحمه الله...
تجرد الشيخ الدنبجه للتدريس في أهله،
تجرد لتكوين جليه الجليل..
فكان شيخ المحظرة ومدير المدرسة معا إذ يدرس طيلة أوقاته فاجتمع عليه الطلاب من كل حدب وصوب كان يدرس علوم القرآن
رسما
وضبطا
وتجويدا ؛
وطرة أم الحواشي على الألفية؛
وديوان الستة الشعراء وديوان غيلان؛
واللامية؛
والاجرومية؛
الشيخ خليل وشروحه؛
وغيرها ..
يقول عنه تلميذه الشاعر الكبير عبد الرحمن بن القطب (دادي) بن الرباني في معرض الكلام عن تعدد اوجه شخصية العلامة الدنبجه "..الدنبج شيخ المحظرة ال مايرد لوح.."
كان في حيه عريش(شهلي) خاص للطلاب المؤبدين والذين قدموا للدراسة من الخارج ..
كان وقته كله مشغولا بتدريس الطلاب ينقذف جميع شباب الحي وحتى رجاله وكهوله إليه لينهلوا من معينه السلسبيل.
كما تأتي النساء بالليل زرافات يدرسن وبينه وبينهن حجاب..
حدثني الوالد بدي قال كان عريش المحظرة اول قدوم الشيخ الدنبجه بين "احمدان " و"كنبتبلل" جنوب شرقي علب آدرس بخمس كيلومترات حيث كان الشيخ الدنبج ينتجع هناك أكثر الوقت وداره ب"الحاضره" بعلب آدرس.

ظل الأمر هكذا حتى كان الحضر وتجمع الناس بعلب آدرس وبنوا الدور والمسجد الجامع فكان منسق بنيانه وإمامه الخطيب..
تربي جيل كامل بين يديه..
يرى القدوة في
إمامه
ومقرئه
ومعلمه
ومرشده
ومفتيه..
حتى سمي باسمه المحبب عند تلاميذه،
إنه "الأستاذ"..
إنه أستاذ الجميع،
من لم يقرئه الأستاذ في آمشتيل فكأنه لم يقرأ،
"الأستاذ" وصف على مسمى..
ربي الأستاذ الجيل الذي دوخ الأصقاع ..
في مشارق الأرض ومغاربها.
ومن أجل من تربى على يده ابناؤه الأستاذ محمد الحافظ والوالد الإمام أحمد محمود إمام الجامع الكبير في علب آدس وشيخ المحظرة الآن حيث أجازه الشيخ الدنبجه في جميع مروياته من قرءان وحديث وفقه ولغة ونحو وصرف والأستاذ محمد يحي والشاعر الكيبر محمد الامين المشارك في مسابقة أمير الشعراء والأخ الشقيق المهندس محمدون ولم آخذ عنه إلا القليل لصغر سني في حياته حفظ الله الجميع..
قال الشيخ الدنبج في نظم الدعاء المستجاب:

واجعل كتاب الله في أولادي
مورثا إلى ضحى التنادي
والعلم والعمل والصلاحا
والفوز والظفر والنجاحا
آمين

ومن أجل من أخذ عنه أيضا،

ابن أخيه العالم القارئ الزاهد والشاعر محمد خالد بن عال بن معاويه وهو شيخ من شيوخ المحظرة حفظه الله.. جازاه الشيخ الدنبج في القرءان والفقه واللغة وجميع مروياته.
وكذلك ابن أخيه العالم المفتش المختار بن معاوية ..
والإمام العالم أحمد بن المصطفى بن محمد عالي رحمه الله وهو عالم وشيخ من نفس المحظرة..
والإمام الصافي بن اخليفه إمام الجامع الكبير بعلب آدرس، شيخي في القرءان والذي أجازه في القرءان..
واللغوي
الدكتور محمد ولد محمد السالم ولد الرباني صاحب الأدب والنقد الرصين؛
والإمام محمدي فال بن بو بن بو حفظه الله صاحب درر الكتابات التي لا تخفى على أحد..
والعالم الشيخ محمد عبد الرحمن بن أيده عضو لجنة الإفتاء في الشبكة الإسلامية إسلام ويب المقيم بقطر،
والعالم صاحب السمت الرفيع أحمدو بن محمدي بن أحمدوفال شيخ من شيوخ محظرة أهل أحمدو فال العريقة..
والشيخ سيد المختار بن الشيخ اسماعيل بن الشيخ سيد المختار بن عبد الجليل وهو عالم ضابط وإمام في الجامع الكبير بعلب آدرس.
والشيخ الدكتور محمد بن احمد بن آد إمام الجمعة بقرية ببكر ومدير مدارس المحمدية الحديثة ..
والوالد الشيخ محمد بن دحان عالم ولغوي وهو إمام لجامعه بحي الفلوجة بانواكشوط..
والأستاذ محمد بن المصطفى (طه) بن السنهوري إمام جامعه بدار النعيم بانواكشوط
والشاعر الأديب عبد الرحمن بن محمد محمود بن الرباني؛
والشاعر الشهير أبوبكر بن محمد بن بوري؛
والشاعر الكاتب والمؤرخ إبراهيم بن محمد أحمد المعروف بالأندلسي؛
وغيرهم كثير..

وأكثر من كل هذا ربى الشيخ الدنبج
الشاعر الكبير اللوذعي الشهير شاعر شنقيط محمد الحافظ بن أحمدو حفظه الله ،

ومروياته عنه كثيرة حدثني قال كنت أقرأ على الشيخ الدنبجه طرة ابن بونه على ألفية ابن مالك وكانت النسخة التي عندي قديمة قد اشراها لي الوالد الدامين من السينغال بها محو في جل اوراقها وكنت أقرأ غالبا في طريق الدنبجه من "كنبتلل" إلى "الحاضره"، وكان رحمه الله دائما يضع يديه وراء ظهره في سيره، وكلما صادفت محوا في الطرة وتعثرت في القرءاة واصل الشيخ الدنبجه يكمل بسرعة في العرض، يحفظها عن ظهر غيب، وكأنه يحفظها كحفظه للقرءان..

وعنه أيضا قال كنت وانا صغير جدا بمكتبة اهل الدنبجه يوما فرءاني أحد أقلب الكتب فحسدني على ذلك فجاء إلى الشيخ الدنبج وقال له إن محمد الحافظ بين الكتب يفسدها وأجابه الشيخ الدنبجه "محمد الحافظ ليس غريبا على الكتب"
يقول محمد الحافظ وهذا كشف منه رحمه الله إذ ها أنا ذا أملك أكثر من ثلاثة آلاف كتاب.

ومروياته عنه أكثر من أن تفي بها ورقة او ورقتين..

لم يسع الشيخ الدنبجه إلى تربية جيل ذكوري فحسب بل إن شقائق الرجال كن في جيله يقارعن الرجال فتربت بنتاه في حضن المحظرة الجامعة متعددة الكليات، ءاسية وفطمة التي أجازها في المقرإ ..
وأخذت عنه الوالدة العابدة مريم بنت سيد بن دحان حفظها الله شيخة ومديرة معهد أم سلمة لتعليم علوم القرآن والشريعة بكرفور- انواكشوط والذي يخرج أجيالا من النساء في ميزان حسنات الشيخ الدنبج إن شاء الله...
وكذلك ربى الشيخ الدنبجه وعلم وأجاز الشيخة صفية بنت محمد بن أحمد بن أحمدو فال مديرة وشيخة محظرة المحمدية لعلوم القرءان بتفرغ زينه - انواكشوط والتي تخرج أجيالا وأجيالا..
كما أن الدكتورة ءاسية بنت محمد أحمد من أجل النساء اللواتي أجازهن ورباهن.

كان الشيخ الدنبج سريع البديهة،
قوي الحجة،
يعحب بحديثه كل مستمع لفصاحته،
ثاقب الفراسة، قل ما تخطئ فراسته،
كان صدوقا،
قليل المجاملات، يرى المجاملات مفسدة للمجتمعات،
يربي على هذه المعاني كلها بالقدوة الحسنه،
بالفعل قبل القول،
وبالعمل قبل العلم،
كان قليل الكلام إلا في قول الحق،
لكنه لا يملك لسانه عند سماع اللحن أن يقول "اح لي اللحن لا يفهم"...
تربى هذا الجيل على هذه المعاني النبيلة..وكان متفانيا في تعليم الناس الخير
ومن تفانيه
حدثني الأستاذ أحمد محمود النمود بن المصطفى بن معاوية حفظه الله قال رأيت الشيخ الدنبجه ذات يوم حار يقرئ أحد الطلاب
وكان الشيخ يتعب كثيرا في تعليم الطالب نطق القرءان كما أنزل وكان الطالب يجد صعوبة كبيرة حتى صرف الشيخ له كثيرا من الوقت في إخراج حرف واحد أو حرفين قال وكنت حريصا على استراحة الشيخ الدنبجه لما أراه من التعب البادي عليه ثم قال الآن وبعد أن مات رحمه الله عرفت أنه كان يتعب نفسه في الدنيا احتسابا وانتظارا للآخرة، والطالب الآن مبرز في جميع مجالات العلوم الفقهية ولله الحمد والأجر وكله في ميزان الشيخ إن شاء الله...
طبعا دون ان ينقص من أجره شيء حفظه الله..
خيركم من تعلم القرآن وعلمه. ..

..كان الشيخ الدنبجه يربي جيله الفريد
نعم كان منشغلا
بالتدريس
والتربية
والإمامة
لكن مع كل ذلك لم ينس الشيخ الدنبجه هم التأليف والتدوين..
فلم ينس رحمه الله حق الناس الذين لم يأخذوا عنه في أن يقرؤوا كتبه من بعده..

فرغ الشيخ الدنبجه رحمه الله نصيبا من وقته للتأليف والبحث فألف في جميع الفنون والمجالات ..
كان أبرزها القرءان وعلومه
حيث ألف كتابه ذائع الصيت كثير المنافع المسمى بالمقرب المبسوط في المرسوم والمضبوط ،
كان هذا الكتاب لا غنى عنه في علوم الرسم والضبط والتجويد في روايتي قالون وورش عن الإمام نافع، كما قدم الكتاب قبل الكلام في الرسم بنبذة تاريخية عن أصل كتابة القرآن ومراحل جمعه من ما لم يتطرق له أي مصنف شنقيطي قبله،
من جمع الصديق إلى جمع عثمان الكبير..
حيث يقول:
لم يجمعوه سالما أحمد من
تطرق النسخ ولما ان أمن
جمعه الصديق بعد ماصدر
طلب ذلك مرارا من عمر
إلى ان يقول:
فصل وجمعه العظيم الثاني
وقع في عصر الفتى عثمان
طلبه حذيفة لما رأى
في أذربيجان الخلاف مقرأ
وختم تاريخ الرسم بتوزيع المصاحف على الامصار:
أمسك في طبية مصحفين
المدني والإمام اثنين
وواحد سير نحو الشام
وواحد للبلد الحرام
ومصحف لكوفة ومصحف
لبصرة للعلماء يعرف
وواحد به على البحرين من
وواحد من به على اليمن
لكن ذا البحرين واليماني
لا نقل عنهما بهذا الشان
كما قدم قبل البدء في الضبط نبذة عن مراحل الضبط من عهد أبي الأسود الدؤلي إلى عهد العباسيين حيث يقول :
أول واضع لعلم الضبط
التابعون مبدأ بالنقط
وصح أن أبا الاسود نقط
نقط الأواخر للإعراب فقط
إلى أن يقول في ءاخر مراحل الضبط:
فعدلوا في ضبطه تعديلا
وطولوا في بعضه تطويلا
وحولوا في ذلك التعديل
نقط المحرك إلى التشكيل
فصار في عهد بني عباس
لليوم وهو عمل للناس
وكان هذا النظم مجددا في علوم الرسم حيث ربط بعض القواعد بقواعد اللغة ويبن سبب العلة غالبا تسهيلا على الطلاب تاركا ما تعسرت قوعدته في الفرش ومن امثلة ذلك قوله في الكلام على حذف مادل على الجمع :
قاعدة جمع المذكر السلم
للاختصار حذفه حيث علم
إلا ثلاث كلمات فاكهين
ولابثين ومعاجزين
فحذفها فيه إشارة إلى
قراءة فيها لبعض الفضلا
بين هذا النظم بعد غور الشيخ الدنبجه العلمي ومدى موسعيته وتخصصه وانفراده في هذا الفن إذ استدرك على الطالب عبد الله وعلى غيره بعض ما اثبتوه في رسمهم من ذلك على سبل المثال لا الحصر استراكه على الطالب عبد الله إثبات "ضعافا" في سوة النساء يقول رحمه الله:
وحذفها هو الذي به العمل
وصح منقولا إذا ما ينتقل
أهمله الخراز والشيخ الفتى
عبد الإله والنجاحي سكتا
لكنه ذكره الداني
بالحذف والعلامة الحاجي.
وهذا الكتاب أعني المقرب المبسوط قرره كثير من المعاهد في موريتانيا وغيرها منهجا في الرسم كمعهد الرابطة الإسلامية وغيره..
وقد شرح هذا الكتاب ابنه الإمام أحمد محمود شرحا وافيا مفصلا اختصره في كتاب طبع سنة 1993 م ..
كما شرحه العالم يخليهن بن حمود القلاوي شرحا مختصرا لكنه مفيد علق عليه وخرجه طالب العلم صاحب الجمع الكثير للكتب جمعة عبد الله الكعبي القطري في كتاب سماه "إتحاف القارئ المغبوط بتحقيق وشرح نظم المقرب المبسوط في المرسوم والمضبوط"
وهو الآن تحت الطبع..
ولم يدل الشيخ الدنبجه بدولوه في خدمة القرءان بالمقرب المبسوط وحده وحسب بل كان كتابه واضح البرهان في ترجمة أشياخي في القرءان من أكبر الخدمات إلى علم القراءات في المغرب بل وفي المشرق..
وقد كان هذا الكتاب محط دراسة من ابن أخيه الأستاذ زين العابدين بن المصطفى بن معاوية وهو كتاب نفيس..
كما أن الشيخ الدنبجه ألف في الفقه أنظاما كثيرة أغلبها في النوازل والشوارد ..
وهي كثيرة تستحق الداسة والتحقيق.
ودائما في الفقه فقد ألف كتابا في الجمعة وأحكامها كان محل دراسة بعض المتخرجين..
كما كان نظمه للإفطار بالراديو الذي أشرنا له سابقا محل دراسة من تلميذه الأستاذ القارئ إسحاق بن سيدي بن حبيب والذي عنونه ب"الشيخ الدنبجه والمستجدات العصرية".
كما كان الشيخ الدنبجه في علم السيرة جذيلا محككا فألف فيها تآليف عديدة من أشهرها
شرحه الوافي لنظم البعوث ؛
نظم في أسماء الطلحات؛
وغيرها..
طبعا كان الشيخ الدنبجه في اللغه مؤلفا بكل تأكيد.
لا يشك في ذلك كل من عرفه،
ولا حتى من سمع عنه،
كانت شروحه رحمه اللغوية مقتضبة إلا في بعض المسائل الخلافية فإنه يتوقف عندها ليشفي الغليل منها بالتعليق والتمحيص من ذلك
أنظام كثيرة في التعليق على طرة ابن بونه واغلبها مثبت في ام الحواشي عند اهل اباه؛
شرح ديوان غيلان؛
وشرح المقصور والممدود، والذي هو بالتعاون مع شيخه التاه بن يحظيه؛
كذلك كانت خطبه للجمعة قصيرة للغته الفصيحه وفقهه الراجح.
كما ألف في الانساب كتابه في أنساب الحلة الشهير ب "الاماهي" إذ جل ما أثبت فيه مروي عن النسابة أماه بنت الشيخ محمد المختار والتي يلتقي نسبها الصلبي مع الشيخ الدنبح عند آمزغزن..
وهو أي الاماهي كتاب مفيد دون انساب الحلة وصار المرجع الوحيد في أنسابها وهو يحوي قصصا مهمة وفوائد عديدة..
فقد كان الشيخ الدنبجه رحمه الله إضافة إلى تصدره في العلم والإفتاء والإمامه مصدرا للانساب والتاريخ.
وألف كتاب "تاريخ أعيان القبائل" وهو مخطوط بخطه..
ثم إنه أبعد رحمه الله في التأليف حتى ألف في تعريب الأشجار المحلية كتابا جليلا مفيدا عندنا بخطه
وقد كان الشيخ الدنبجه محط الأسئلة العويصة سواء في شتى الموضوعات والتخصصات ومن داخل مجتمعه وخارجه..
كان لا تأخذه لومة لائم في تبين الحق الذي أراه الله أرسل إليه السيد الرئيس محمد خونه بن هيداله يساله في قضية العبيد والحكم الشرعي في تحريرهم فألف كتابا في تلك النازلة سماه "القول المفيد في مسألة العبيد" وأرسل نسخة منه إلى الرئيس وهو عندنا في المكتبة بخطه..
بين فيه حكم الشرع في تلك المسألة ..

اما القضايا التي فرضت نفسها فرضا على الشيخ الدنبجه وله مواقف حولها معلومة،
ومن ابرزها قضية التصوف في هذه الأزمنة التي أثارت جدلا واسعا قبل زمنه وفيه وبعده،
إذ عاش الشيخ الدنبجه في بيئة كثير من أهلها متصوفون فكان لابد أن ياخذ موقفا من المسألة،
فمثله لا يسعه السكوت عن تبين الحق..
كان الشيخ الدنبجه في فترة دراسته وتحديدا بعد أخذه للإجازة يريد رفع السند إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاتجه نحو الشيخ محمد الأمين حميين بن بدي العلوي رجيا نيل مراده ليرفع سنده بدرجتين لكن الشيخ محمد الأمين اعطاه الورد..
والقصة صرح بها في كتابه واضح البرهان
فاخذ الورد بحسن نية..
كان هذا في فترة ما قبل تخرح الشيخ الدنبجه..
وبعد ان تفقه الشيخ الدنبجه..
فقهه الله في الدين..
كان لابد أن يأخذ موقفا من التصوف..
سلبا،
أو إيجابا،
مع حراجة الموقف لإن القضية قضية أهل وأرحام..
لكن الحق مقدم على كل شيء.
اختار رحمه الله الموقف الحكيم..
لم يخطئ رحمه الله أحدا في الظاهر وكان يقدر كل من رأى فيه صلاحا ولكن كان ينكر على الأخطاء بلطف..فمن سمع نصيحته، وفتح الله الهادي قلبه، سيفهم كلامه جيدا..
كان موقف العلامة الشيخ الدنبجه بن معاوبة من التصوف هو ما لخصه رحمه الله في 'نصح طلابه في عدم دخول طرق متصوقة هذا الزمان'..
والدين النصيحة..
كان لابد أن يبين موقفه من المسألة كمرب للأجيال..
المسألة مسألة حق لا مداهنة فيها.
سطر الشيخ الدنبجه بأنمله نقلة في التصوف عندنا بخطه..
أنقل منها :
"واعلم بأن الذكر عبادة جليلة عم الله بها عباده المومنين فقد أمر بالذكر سائر المومنين وقد أفسد متصوفة هذا الزمان المقصود من هذه العبادة الجليلة النفع أعني ذكر الله سرا وجهر في انفراد واجتماع فأدخلوا فيها الرقص والتصفيق والغناء والأناشيد والزئير والصراخ الفظيع الذي هو من العبادة بعيد ولهذا وشبهه من المنكرات التي تقع منهم في حالة الاجتماع للذكر حذر الناصحون المحققون من دخول طرق متصوفة هذا الزمان وحضوا على التمسك بالكتاب والسنة بطريق الإلقاء والتلقي وطلب الفتح من الله تعالى..."
ومنها أيضا:
"وأحسن ما يعتمد عليه في معرفة الولاية اتباع الشريعة الغراء وسلوك المحجة البيضاء فمن خرج عنها قيد شبر بعد عن الولاية بمراحل فلا ينبغي ان يطلق عليه اسم الولي ولو أتى بألف ألف خارق فالولي الشرعي اليوم اعز من الكبريت الأحمر ولا حول ولا قوة الا بالله
أما الخيام فإنها كخيامهم
وأرى نساء الحي غير نساءها
"
وهذا هو المقطع الأخير من نقلته وهي عشر صفحات،

ولقد توالت عليه القضايا والمسائل في جميع الفنون..
مما لا يستطاع حصره..

كما نثر الشيخ الدنبجه أيضا علمه من خلال تقريظاته وتعاليقه الكثيرة ..
فقد قام الشيخ الدنبج بمراسلات مع الشيخ ءاب بن اخطور مؤلف كتاب اضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن فعلق على بعض الفصول وأرسل إليه قصيدة تقريظية مطلعها:
يزيل اللبس أضواء البيان
ضياء الشمس والقمر المزان
..30 بيتا
بعد أن أرسل إليه الشيخ ءاب الأجزاء التي تمت من الكتاب..
وكان اول تعارف بينهما بمكة 1959 م عام حج الشيخ الدنبجه.
كما أرسل إليه مفتي القطر الشنقيطي الشيخ بداه بن البصيري التندغي ابن خالته كتابه (أسنى المسالك في أن من عمل بالراجح ما خرج عن مذهب الإمام مالك) فأجازه وقرظه كما فعل لكتابه (الفلك المشحونه في حميرية لمتونه)..
كما راسل الشيخ الفقيه الشيباني بن محمد احمد النمجري وقرظ كتابه (تبين المسالك)..
ومراسلاته كثيرة فقد راسل أيضا الشيخ هارون بن الشيخ سيديا حيث كان الشيخ هارون منكبا على التأليف في انساب القبائل فارسل إليه الأستاذ انساب الحلة وتراجم بعض من أعيانها في نقلة مخطوطة عندنا في المحظرة مع تعليقات الشيخ هارون عليها..

وكان الشيخ الدنبج إضافة إلى،
علمه في أغلب الفنون،
وسيادته النادرة،
وأخلاقه الرفيعه
كان الشاعر المفلق،
الفحل الذي لا يبارى،
حدثني شاعر شنقيط محمد الحافظ بن أحمدو قال عرفت شعر وشعراء تندغه الحله فرأيت أشعرهم أربعة :
الشيخ محمد أحمد بن الرباني والشيخ مبرك (موناك) بن مبرك والشيخين الدنبجه والمصطفى ابني معاوية ..
ثم أضاف إن المقارنة بين الشيخين الدنبجه والمصطفى كالمقارنة بين الفرزدق وجرير..لفا ونشرا.

وذلك إشارة إلى ما يقوله بعض النقاد من أن الفرزدق لايأتي إلا مجليا أو سكيتا،
وجريرا يأتي مجليا ومصليا وسكيتا،
والأخطل لا ياتي إلا مصليا.
فجميل شعر الشيخ الدنبجة لا يأتي إلا مجليا وغيره منه لايأتي إلا سكيتا كشعر العلماء،
وجميل شعر الشيح المصطفى يأتي مجليا ومصليا وغيره منه يأتي مصليا وسكيتا ،
وحدثي الوالد الشاعر الكبير محمد الامين بن الدنبجه قال إن الفرق الدقيق بين شعر الشيخين الدنبجه والمصطفى ابني معاوية هو أن الشاعر المصطفى شعره أكثر فحولة وشعر الشاعر الدنبجه أكثر رقة..
مع أن الرقة والفحولة في شعريهما..
والكل جميل في محله..

فابدأ من حيث شئت،
واجمل ماتبدأ سماعك لشعر الشاعر الدنبجه،
قوله في النسيب:
جرى مدمعي في يومه المدمع السَّكب
فهذي ديار الحي مربعها الركب
وهذي من الحسناء بعدي تلاعبت
بها العاصفُ القَوْماءُ والعُصُفُ النُّكْب
تضمنها ريع الأغانم فاللوى
لواهُ فقاع المستديرة فالقلب
فبالله يا أصحاب عوجوا بها معي
لعل فؤادي عنه ينكشف الكرب
فعاجوا فأبكتني حدائقُ زربها
فقالوا لمن هذي الحدائق والزرب
فقلت لهم حيوا فهذي منازل
لحي سليمى عام أوقدت الحَرب

وما أحسن هذا الشعر..
لقد أثبت العلامة المختار بن حامد الديماني هذه الرائعة في النسيب للشيخ الدنبجه حين ترجم له في موسوعته..

طرق الشيخ الدنبجه جميع أغراض الشعر العربي من فخر ومدح ورثاء وغزل ونسيب وغيره..
فعلا كان جل شعره مدحا لسعيه دائما لشكر الناس وإصلاح ذات بينهم لكن نسيبه لا يقل عن مدحه إذ جل قصائده تبدأ بالنسيب
ونسيبه في غاية الروعة
والجزالة
وحسن السبك
والرقة..

يقول :
وقف المتيم طالب الإسعاف
من ربع عالية الحيل العافي
قامت قيامة بثه لما رأى
طللا لها يسفي عليه السافي
كانت لها نجد الرمى متربعا
والطيبات منازل المصطاف
تلك المنازل تستخف رسومها
قلب المتيم أيما استخفاف
إني إذا هتف الحمام بأيكها
طرب الحشى بحمامها الهتاف

شعر في غاية الجزالة والرقه..
وتراه يجمع بين النسيب الذي تشم فيه رائحة الشعر الجاهلي في جزالة وقوة لغة..
في الوقت ذاته تتلمس حسن التخلص إلى ممدوحه الرئيس المختار بن داداه،
وفي مدحه ترى انسياب اللغة وصدق الشعور والتعبير ثم تفهم في الاخير أن مدح الرئيس إنما هو تخلص للفخر ..
كل ذلك في القصيدة التي أتحف بها الشيخ الدنبجه الرئيس المختار عند قدومه علب آدرس:
إجراء مدمعي المصطان أولى لي
لم يبق بالدار إلا رم أطلال
كان الذلول على عهدي ومربعه
من آل ليلى مرم جد محلال
هاجت علي قديم البث أعظمها
ما لي وللبث بعد الشيب ولى لي
لا يأمن الصب من تهديد مصطبر
مهما يمر برسم الديمة البالي
لا زال يهمي بها الغادي ويسعده
نوء الثريا بسار الليل هطال
إياك ياربع إن القلب يوم أتى
وفد الرئيس لقلب السالم السالي
أهلا وسهلا بهذا الوفد أجمعه
وفد الرئيس رئيس الدولة الغالي
الرحب يلقاك في ذي التيلميت وفي
ذات البشام وذات السدر والضال
قد كان موطننا فوضى فرانس في
أيدي فرائس شتى الأهل والمال
حتى أتيح لنا من مورتان فتى
كفء الأهم كريم العم والخال
فانتاشنا من يد المستعمرين بلا
إطلاق نار ولا خسف وزلزال
الأمن عم وفينا الخير عم والاس
تقلال تم بفضل الخالق العالي
إنا على الغير بالمختار في بجح
نختال وهو علينا غير مختال
إلى ءاخرها..

ها أنت تحس بكثرة الصور البلاغية في شعر الشاعر الفحل الدنبجه بن معاويه من جناسات واستعارات وكنايات وغيرها،
فقل ما يخلو بيت منها من بديع المعاني والصور الجميله..

كما أن طول النفس للشاعر الشيخ الدنبجه يبدو واضحا في معلقته (90 بيتا) الشهيرة في ترحيبه بالشيخ عبد الله بن الشيخ سيديا مقدمه من الحج،
تلك القصيدة التي سارت بها الركبان في جميع البلدان بادئا بغزل قل نظيره يسحر الأفئدة والقلوب:
رماني البين من سلمى فصابا
حشاي ولم يكن شك الإهابا
واهمى مقلتي وأهام قلبي
وأذكى الهم فالتهب التهابا..
..وما أنسى غداة البين سلمى
تحيت العرف لاوية عصابا
وفاحمها الغرابي اسودادا
ورندا رندها المسكي طابا
ووضاحا شتيت النبت عذبا
تخال رضابه سحرا رضابا
واعطافا لطيفات التثني
تقص بها من اللين الذبابا
أرى الحناء مختضب الغواني
وسلمى من دمي جعلت خظابا
مهاة تقتل العشاق ظلما
وذاك الظلم تحسبه صوابا
وما ردت جوابا قط إلا
مرخمة لسائلها الجوابا..هحح
إلى أن يقول ممسكا بعصا البلاغة وحسن التصوير ساعيا في نهاية المقطع إلى التخلص البديع:
ترى حزق النعام بها حيارى
مميلات من العطش الرقابا
وأسراب القطا يحسبن ماء
إذا اشتد النهار به السراب
أقول بها لركب قد شكوا لي
غليلا ما وجدت له شرابا
ألا فردوا أبا تلميت تسقوا
فإن به فتى غدقا عبابا
كريم الأصل أروع أريحيا
كريما ماجدا لبقا لبابا..
..به عبد الإله وإن أرضا
بها لا بد من أن تستطابا
إذا ما غبت تغبر الأراضي
وتخبأ نور كمأتها اكتئابا
وإن حست بقدمك استنارت
وبشر عامر منها الخرابا
إلى أن يقول مبالغا في المدح مستخدما من الاستعارات والصور مايعجز الناقد عن استيعابه:
وإنك لو غضبت على الثريا
لما في البرج عاودت الذهابا
ومن ترضى عليه فما يبالي
بأهل الأرض إن كانوا غضابا
ولو قبل النبي نشأت طه
لجئت مبشرا تتلو كتابا
وأنزل فيك رب العرش آيا
تنبئ عنك أنباء عجابا

نعم يحس السامع صاحب الأذن العربية الحساسة أن هذا النوع من المدح لا نظير له وختامه مسك حين يختم الشيخ الدنبج معلقته بالعفة ونبل المقصد على غير عادة أغلب الشعراء فإنما هو ترحيب يليق بالمرحب والمرحب به وفقط :
أتيت مسلما من عند أهلي
فلا سلمى أريد ولا الربابا
صلاة الله يتبعها سلام
على من زرت روضته احتسابا
تحكي الروايات أن الشيخ الدنبجه لما ألقى هذه المعلقه التفت أحد الحاضرين إلى الشيخ عبد الله وقال "هو ذ فكراش تندغه مايدور ادني ولا الاخره" .

أما الشعر الرقيق فهو الغالب في شعر الشيخ الدنبجه ومن ظريف شعره ما دار بينه وبين العلامة المختار بن حامد،
يقول العلامة المختار:
مجيئ الخير مذ زمن يرجى
وجاء الخير مذ جاء الدنبجا
أديب لا يمج الطبع منه
إذا ما مجه اليعسوب مجا
شمائله كحلو الدلو أزهت
ونائله كغيث المزن ثجا

وقد أجابه العلامة الشيخ الدنبجة في الحين:
إذا المختار حل بأرض قوم
فبادر ملجأ فيها ومنجي
و لما أن رأيتك سرت يوما
سواء من مشي عندي ومن جا
تعارج من فصاحته قديما
عند العود تسبق كل عوجا

ومن ظريف شعره أيضا القطعة التي أرسل بها إلى الحاج مالك سي أحد شيوخ السينغال بعد أن نعى على الشيخ الدنبجه أنه لم يختم قصيدة من قصائده ببيت للصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه الشيخ الدنبجه هذه القطعة التي يمدحه فيها ويختمها بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الشعراء والذين قرضوا الشعر بحضرته ولم ينهوا قصائدهم بالصلاة عليه يقول الشيخ الدنبجه:
أيا من حكى في الجود جود البرامك
وفقها ونحوا مالكا وابن مالك
سلام كعرف الروض أخضله الندى
وطعم خمور الأندري الترائك
أبوك الذي قوى به الله دينه
فصار سراجا في البلاد الحوالك
فالاسلام في سنغال لولا له الفتى
أبوك لأمسى هالكا في الهوالك
جزاك إله العرش خير جزائه
عن المسلك المبيض خير المسالك
بجاه رسول الله طه محمد
وسالك نهج المصطفى أي سالك
واصحابه حسان وابن رواحة
وكعب أبي سلمى وكعب بن مالك

وقد جمع سبط العلامة الدنبجة بن معاوية الدكتور محمد(ءاب) بن محمد فال بن القاضي أغلب شعره في ديوان كبير وكان محل دراسة وتعليق منه حفظه الله..
فليرجع إليه ...
فقد خلف الشيخ الدنبج رحمه الله شعرا غزيرا..
دون منه الكثير
وبقي الكثير..
وفوق كل هذا، فمن يعرف قدر الشيخ الدنبجه في الشعر العربي،
وقامته الأدبية الكبيرة،
بل وإدخاله للفصحى حتى في كلامه العادي لا يتوقع أن الشيخ الدنبجة يمكن أن يقول:

تفكادك م الظاي لمكيت
و انيت فالغبره واتيت
ولجام ازويرت توييت
وامسيعدات وفرجله
والعين ال شرك اغدنكيت
ولعب ل شرك ما خل
يتلالك فبلد مبيت
ولل مقيلك يتل
ولل لاه تغف منيت
ولل عينك تمسك بله
تفكادك..

حقيقة كان الشيخ الدنبجه قامة باسقة في الأدب..
إضافة إلى أوجهه العلمية الظليلة المتداخلة في مابينها..

وعاش الشيخ الدنبجه بين اهله وذويه سندا تستند الناس عليه من عشيره،
عاش بين أهل منطقته ووطنه ممدحا محبوبا،
(من عمل صالحا من ذكر أو انثى وهو مومن فلنحيينه حيوة طيبة..)
عاش حياة طيبة مليئة بالعلم والعمل والإخلاص،
مليئة بالسيادة والسياسة الناجحتين،
مليئة بالمعاملات والاخلاق الفاضلة،
مليئلة بتعليم الناس الخير،
ملأها الله بكل ما يتمنى متمن أن يناله في حياته الدنيا،
ووضع له القبول في الأرض،
فأحبه الناس حبا لا يوصف،
وتعودوا عليه بينهم في حل المعضلات،
لكن سنة الله تقتضى أن الشيخ الدنبجه لابد أن يرحل عن قبيلته ومنطقته ووطنه وأمته،
رحل الشيخ الدنبجه عصر الجمعة لعشر بقين من رجب الفرد الحرام عام ألف وأربع مائة وثماني عشرة لهجرة الحبيب صلى الله عليه وسلم الموافق 21 تشرين الأخير-نفمبر 1997 م عن عمر يناهز الثمانين سنة،
كان لا بد أن يرحل،
كانت هزة قوية في العالم العلمي كما عبر الإمام محمد محمود بن أحمد يوره بن الرباني عنها بذلك،
نعم الجميع تأثر تأثرا شديدا لكن هذه سنة الله،
دفن رحمه الله في مقبرة "انفي" التندغية مع والديه الشيخ القارئ أحمد محمود اللاه والشيخ القارئ المحدث محمد البكاء والشيخ العالم معاوية ..
وهم أئمة "انفي" في الشمالي الشرقي من المقبرة.
وفي التأريخ لوفاته يقول الوالد الإمام أحمد محمود بن الدنبجه:
توفي الفرد بشهر الفرد
لعشرة بقين منه جرد
من رجب الحرام وقت العصر
يوم العروبة طلوع الغفر
في نجم الأنبيا ووقت الجمعة
وشهر تشرين الاخير اتبعه
عام 'تشيح' مرملات العلم
عن مشكل جل على ذي الفهم
فسار عمره بذاك منتقى
وفاق عصره النظير مرتقى
تاريخه بالكيت عام ولدا
وعن ثمانين لذاك بردا
فيا لصوم القيظ في الجوزاء
ولقيام القر في الشتاء
وللقراءة وللإقراء
وللفتوة وللإفتاء
إلى آخره..
كان العزاء للجميع..
تجمعت الناس تبكى عالمها ومقرئها وسيدها ومربيها،
توالت المرثي تترى في حق من تكل المراثي دونه والمدائح كما قال العلامة الشيخ إبراهيم بن يوسف بن الشيخ سيديا في مرثية طويلة:
سقى روضة الشيخ الدنبج دوالح
غواد إليها بالرضا وروائح
مواقر من مزن المراحم تنهمي
بحيث يعالى جندل وصفائح
لقد كان عن دار الغرور مسافرا
إلى متجر فيه تنال المرابح
فحط مخفا بالقيامة رحله
وألقى عصا التسيار والوزن راجح
إمام هدى لا تطبيه بدائع
وبحر علوم نازح الغور طافح
تضلع من علم الشريعة والهدى
وجاد بما لم تستطعه القرائح
وتابع منهاج الجدود بحكمة
فما قدحت في العرض من قوادح
أأحمد لا تجزع فأنت خليفة
لمن لم تغيبه الغداة الضرائح
ستكفيك أقلام وكتب كثيرة
وغر من الشعر الفصيح صحائح
ويكفيك جيران وضيف ومحتد
ومنتجع قد باعدنه المسارح
أتاني على شطح المزار نعيه
وأجبال رضوى بيننا والأباطح
فبت كليم القلب والفكر عازب
وكيف يروم الصبر من هو نازح
وكيف أصوغ الشعر في قدر سيد
تكل المراثي دونه والمدائح
إلى آخرها..

أما شاعر شنقيط فقد خالط دمه حب العلامة الدنبجة بن معاوية مخالطة عجيبة،
اذ هو الشيح،
والخال،
فعنون قصيدته بوداعا فارس الجلى وداعا:

أترجو الخلد في الدنيا انخداعا
وترأب من زجاجتها انصداعا
كفى بالموت واعظ كل حي
وبالشيب النذير له ارتداعا
هي الدنيا وإن ألهتك آل
وصرح إن تمرده تداعى
وقد كان الدنبج بها متاعا
به أنف العلا انجدع انجداعا
أيا شيخي وخالي يا صفيي
وداعا فارس الجلى وداعا
نعتك شمائل العلما جميعا
إلى الآجر يشكون الضياعا
نعين مهذبا عطر السجايا
عن العوراء ينقدع انقداعا
يحلي عاطل الأيام علما
ويبقي في ملاغمها الرداعا
فذلك أحسن العلماء سمتا
وهديا لا غلو ولا ابتداعا
فمقرأ نافع يبكي عليه
وتشكو راحت الخط انفداعا
وحدت طرة البوني عليه
وهاج بأرضها الهيف اللعاعا
ومرتاد العلوم قريح قلب
ونفس أخي التقى طارت شعاعا
فذلك من أسام بكل واد
سوم العلم وانتجع انتجاعا
ولم يجهل علوم الشرع جار
له يوما وما إن كان جاعا
تغبق من صفايا النحو عذبا
وهش على اللغى طفلا وعاعى
فسحت مزنة هطلاء منه
وألقى في عشائره البعاعا
فصبرا في رحيل الشيخ صبرا
وإن كان الجميع به مراعا
فمنكدر النجوم عليه يبكي
وشمس الكون لابسة قناعا
وسيرة خير الخلق آمت
وبكت جهبذ السير الرواعا
إلى آخرها..
وقد كثرت فيه المراثي فصيحة وشعبية وطبعت في كتاب مستقل، فاللهم ارحم الشيخ الدنبج وجازه خيرا عن الإسلام والمسلمين وارفع درجته في الصالحين. آمين - الدعاء -