القدس العربي : هل سيحاسب العالم مجرمي الحرب فى سوريا ؟

أحد, 2016-12-25 07:07

خاضت  الدول المنتظمة في الجمعية العامة للأمم المتحدة معركة شرسة ليلة الأربعاء الخميس تخللتها مناوشات ومحاولات عديدة للاعتراض على مشروع لمحاسبة مجرمي الحرب في سوريا قابلتها الدول الأخرى بالتنسيق والعمل الدؤوب والمتراكم على تمرير القرار الذي صدر في النهاية بموافقة 152 دولة ورفض 15 أخرى فيما امتنعت 50 دولة أخرى عن التصويت.

يعتبر القرار سابقة خطيرة في العلاقات الدولية أملتها الحالة السورية المستعصية والتي جعلت صدور قرار حاسم عن مجلس الأمن أمراً غير ممكن نتيجة التزام روسيا والصين باستخدام حق النقض (الفيتو) وهو ما حمى النظام السوري على مدار أكثر من خمس سنوات من المحاسبة وسمح له، ربما للمرة الأولى في التاريخ الحديث بعد الحرب العالمية الثانية، لاستخدام وسائل الحرب العنيفة ليس ضد عدوّ أجنبي بل ضد شعبه، بما فيها أسلحة الدمار الشامل الكيميائية والصواريخ والقصف والتجويع والحصار والتهجير والهندسة الاجتماعية واستخدام ميليشيات أجنبية.

واضح إذن ان ما حصل في سوريا جعل الغضب يتصاعد في اروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة بشكل غير معهود من قبل، وأظهر اتجاه غالبية الدول فيها إلى تأييد القرار هذا إلى تشكل حاجة تاريخية لتجاوز الإعاقة الدائمة التي بدأ مجلس الأمن يشكلها في قضيّة تجاوزت الحدود السورية وفاضت عبر دول الإقليم المحيط ثم عبرت البحر المتوسط إلى أوروبا وتحوّلت إلى قضية داخلية ساخنة في العالم كلّه، وخصوصاً مع انتشار عمليات الانتقام الإرهابية في المنطقة العربية كلها وكذلك في أوروبا والعالم التي هي إحدى إفرازات التوتر الهائل الذي تشكّله سلطات الطغيان العربية وعلى رأسها النظام السوري، وحلفاؤه الروس والإيرانيون، وقد انضاف ذلك إلى الورم الخبيث المستعصي بدوره الذي تشكّله إسرائيل منذ عام 1948 والذي ساهم بدوره في حالة يأس الفلسطينيين والشعوب العربية كافة من المنظومات الدولية كالأمم المتحدة ومن قدرتها على مواجهة القوة الإسرائيلية الكاسرة ونفوذها الطاغي في الإعلام والمال والسياسة العالمية.

واذا كان رعب النظام السوري (عبر ممثله في الأمم المتحدة بشار الجعفري) مفهوماً من فكرة «محاسبة مجرمي الحرب» وكذلك لجوؤه اليائس لكافة الحيل السياسية والقانونية لصدّ القرار، فما كان لافتاً ومثيراً للدهشة هو مواقف بعض الأنظمة العربية وعلى رأسها الجزائر التي حاربت القرار بقوة تحت مبررات مثل سيادة الدول (وكأن الأغلبية العظمى من دول العالم لا تهمها سيادتها)، أو تخريب الحل السياسي الجاري حاليّاً (متجاهلا طبعا أن هذا «الحل السياسي» يجري تحت تغطية من اجرام النظام وحلفائه الروس والإيرانيين ضد سكان حلب ومضايا والزبداني وقبلها داريا وحمص والمعضمية الخ…).

الموقف الروسي كان شديد الدلالة ايضاً بحديث مندوبه عن «تجاوز الجمعية العامة لحدودها» وهو يلخّص بكثافة مفهوم موسكو «لحدودها» التي لا تني تتوسع على حساب الدول الأخرى ولاستصغارها لشأن دول العالم الأخرى وارتكاز دبلوماسيتها على مبدأ الغلبة الذي يحتقر مبدأ التصويت الديمقراطي الذي هو الملجأ الأخير لدى دول العالم المنتظمة في الأمم المتحدة للتغلب على «فيتو» الدول العظمى وجبروتها العسكري والأمني والسياسي.

بتقديمها للقرار، نجحت قطر، وهي الدولة الصغيرة نسبياً، مع دولة أصغر منها (إمارة ليشتنشتاين الأوروبية)، في صنع سابقة عالمية خطيرة قد تساهم في إيقاف الجنون الذي بدأ مع الحالة الإسرائيلية (مدعومة بالفيتو الأمريكي) وأوصلنا إلى حالة النظام السوري (مدعوما بفيتو روسيا)، وكلاهما يحمل رخصة بالقتل المباح الذي لا يتحدى القوانين الدولية فحسب بل يتحدى الجنس البشري نفسه.