محمد عبد الرحمن الرباني : نابغ الفصيح و الملحون

جمعة, 2017-04-14 00:13

محمد عبد الرحمن بن الشيخ عبد العزيز بن الشيخ محمد بن محمود بن الرباني الحلي التندغي ، أمه اكنان بنت بو اطريڮ الڮرعانية، ولد في حدود سنة 1932م في منطقة واد الذهب بالصحراء الغربية، درس على والده العلامة القاضي الشيخ عبد العزيز الذي أولاه عناية خاصة واجتهد في تهذيبه وتعليمه وتوجيهه حتى نال نصيبا وافرا من علوم الفقه واللغة والأدب، نبغ في الشعر بشقيه الفصيح والحساني وكانت له في هذا الأخير مدرسة فريدة وأسلوب متميز، شغل مناصب سامية أيام الاستعمار الإسباني فيما بين سنة 1959 و1970 منها: قاضي، قاضي القضاة، أستاذ للغة العربية، مدير للتعليم، مفتش للتعليم في إقليم واد الذهب، ومدرس للقرآن الكريم في عيون الساقية الحمراء...

في لعيون انخرط في العمل السياسي فكان أحد رواد الحركة الوطنية وعضوا في الوفد الصحراوي المنتدب إلى الأمم المتحدة سنة 1965 للمطالبة برحيل المستعمر عن المنطقة، ومنها بدأ الأسبان في خلق المتاعب وبدأت المضايقات تلاحق الرجل ليتوجوا ذلك باعتقاله عام 1970 مع كوكبة من قادة الحركة الوطنية ويضعوه رهن الاعتقال، وبعد عام من السجن قضوا بنفيه خارج المستعمرة.

توجه محمد عبد الرحمن مباشرة إلى موريتانيا التي وجد فيها الأمن والأهل والوطن وطاب له فيها المقام حوالي عقدين من الزمن تقلد فيهما مناصب برلمانية كنائب عن ولاية تيرس الغربية، ومناصب إعلامية أخرى في الإذاعة الوطنية..

عاد إلى مسقط رأسه في الصحراء الغربية سنة 1990م بعدما أصيب بحبسة في النطق أفقدته القدرة جزئيا على الكلام، إلى أن انتقل إلى الرفيق الأعلى رحمة الله ورضوانه عليه في مدينة عيون الساقية الحمراء وفيها دفن عام 1998م.

نظم محمد عبد الرحمن الشعر مبكرا جدا وهو في سن الذهاب إلى اللوح، فقد كان أهله لا يمنحونه الصبوح إلا بعد الرجوع من اللوح في حين كان هو يرى أن الصبوح أولى بالتقديم، يقول:

فاصل فَرايْ اليوم اعودْ *** افْلوح واصبوحِ مشدودْ

وان ما غاديلِ موجــود *** افلوحِ من دون اصبـــوحِ

وانتومَ ڮلتُ عن معڮود *** اصبوح فڮرايت لــــــوحِ

كان رحمه الله سريع البديهة في الشعر ، حدثني الأخ عبد الله الملقب آبَّ بن يونس، قال دخلت ذات ضحى من عام 1988 على محمد عبد الرحمن بن الرباني في منزله الواقع على شارع الأمل قرب قيادة الحرس بوسط العاصمة فسألني عن الأحوال وعن الطوارئ فقلت له سمعت صباح اليوم في كراج بوتلميت (محطة النقل) أن العلامة الشيخ سيدي محمد بن محمد احمد التاكنيتي (1907م- 1988م) قد توفي ، فوضع يديه على رأسه وأخذ يسترجع ثم قال على البديهة: "نتع الاسلام وانتعات انا لله امة محمد ناعيهم ذاك ال بان انع شيخي سيدي محمد" أو شيئا قريبا من هذا، يقول آب فقلت له: "ابّبّ" هذا اغن؟ فقال: إن أردت أن يكون كذلك فقل:

نِتْعَ الاسلام ونِتْعاتْ انْ *** نا لِله امّتْ مُحمـــدْ

ناعِيهمْ ذاك الِّ بانْ انْ *** عَ شَيْخِ سِيدِ محمّدْ

ثم دعا بمحفظة أوراقه وأخذ يكتب تارة بيمناه وتارة بيسراه وكان جميل الخط جيده بكلتا يديه كما كان يجيد الرماية (اخْبِيطْ الشّارَه) بهما معا، ويشبه قوله هذا مطلع مرثيته لابن عمه القاضي العلامة محمدن بن محمذن فال بن أحمدو فال (1310هـ - 1400هـ):

امنين انع محمدنْ *** ليلة الاثنين الناعونَ

ڮـلـــت انا لله وانْ *** نَا اليه راجـــــــعونَ

ويقول في ابن عمه الشيخ محمد عبد الودود (بيدَّ) ( 1311- 1401 هـ)

جدَّكْ محمود الْفيه ابــــــــانْ *** ماه خالڮْ غيرُ فانســــانْ

مولَ علمْ أمولَ قـــــــــــــرآنْ *** امُولَ جودْ اعلم مرْفــــودْ

وافْمحمد عبد الرحمـــــــــن *** ذاك الكاملْ كانْ افْمحمود

واتلاحڮْ ف"امَّدْ" بالزّيــــــدان *** ذاك الفيهم منش موجـود

وانت لاحڮْت افْطن فبْلَــــــــدْ *** يمحمد عبـــــــــد الودود

ذاك الْفـ "امّـــدْ" وافْمحمــــــد *** عبد الرحمن ايه امحمود

ومن عجيب شعره هذه الطلعة التي يمتدح فيها فتى ولد الرڮيبي رحمه الله: 

يفتًى حسين افاتــــــــحْ *** ماتڮْدرْ تحْصِ شفـــــةً

خصالك يفتى ما تحْــــــ ***ـــــــــصيهم شفةً يفتىً

واتمعْلِيم اصْلَكْ واتمعليمْ *** دِينَكْ واتْمعْلِيمْ افْلقْلِيمْ

أيْدَكْ ما فِيهِمْ حَدْ اغْشِيمْ *** فتًى لا مخالفــــــــــةً

بِنَّكْ واقِفْ بيْنْ المُقِيـــــــمْ *** والْخاطرْ واهْلَكْ وقْفَةً

فِيهَ رأْفَةً يعَدِيــــــــــــــمْ *** لَمْثالْ اشْفاقْ ارَأْفَــــةً

واحْروفْ المْعطَ من قَدِيمْ *** ميم اعين اط حرْفَـــــةً

لِفتًى وانت من تميــــــــم *** المعْطَ رانَــكْ لكْ فتًى

يفَتًى... 

من آخر ما نظم من الشعر الحساني قوله:

حَدْ ابْـذهْنُ خـَطْ امـْع حـَـدْ *** اصْرَندْ اعمْرتْ سَدْ ابْسَدْ

من لبعر والعودان أُصَـــــــدْ *** اعل نزَّالْ أوخر معهــــود

الا بخل ش تمّو فابـــــــلد *** يتخزاوْ ابلا تـــــــــــــردُّود

يرفد ذ عود، أذَ يرفــــــــــد *** بعر ضد العود المرفــــــود

ظل ما فيهم واحد ڭــــــــد *** إيظيّم ظايم لاهِ اعــــــود

يكتل بعر من مال اصرنــد *** لمسد والَّ يكتل عــــــود

 

لذهان افذ الصور استحفات *** علمن للاه المعبــــــود

والندم عــلى ما فـــــــــــات *** والنية ألَّا اعــــــــــــود

 

من شعره الفصيح، قوله بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف:

 

أقبـلْتِ فجـرًا يجلّي حـالك الظُّلَمِ *** ألحْتِ برقًا سـرى وهْنـا بذي سَلَمِ 

مـن أين أقبلتِ يـا وجه الغزالة يا *** عَرْف العَرار ويـا خـوطًا مــــن العَنَم 

مـن أين؟ من عبقـرٍ أقبلت شاعرةً *** أم أنت آي من الذكر الـحكيـم أَم؟ 

من أين أقبلت يا سؤلي ويا أملي***من ساكني الدور أم من ساكني الخيم؟

يـا نظرةً تَذَرُ الألـبـاب حـائـــــــــرةً *** ونشـوةً تطربُ الأسمـاع بـــالنغم 

من أين أَتْهَمْتِ، أم أنجَدْت حاملةً ***مبـادئ الـديـن فـي بـدءٍ وفـي خَتَم؟ 

من أين أشرقت يا دنيا السعـادة يا *** خَتْمَ الرسالات تدعـو صـادق الهـمم؟ 

أشـرقتِ مـجلـوّةً بـالحسن أجمعِه *** يـا دعـوةً أعجزت مـصـــــاقع الأمم 

بشـرى الـبشائر وافتـنـا بشـائرها *** فـاستأصلت كلّ ما في الكـون مـن ألم 

يـا مـنـيةً أممت شيخوختي عرضًا *** فعـدت طفلاً بعـيـد الشـيب والهــــرم 

يـا عصمةً قبـل كـون الكـون طاهرةً *** يـا ليلة لـم تدعْ فـي الكـون مـن صنم 

يـا دعـوةً مـن خلـيل للـحـبـيب ويـا *** بشرى المسيح بختم الختم من أَهَمِ 

يـا لـيلةَ الـمولد الـميمون مـا فتئت *** حنـاجـر الـدهـــــر تطري خِيْرة النَّسَمِ

 

من صفحة الدكتور : عبد الرحمن محمد محمود الرباني