القدس العربي : فرنسا: فازت الوسطية فهل خسر اليمين المتطرّف؟

اثنين, 2017-05-08 06:59

هناك  مفارقات هائلة في الصراع الذي أوصل كل من إيمانويل ماكرون ومارين لوبان للتنافس على رئاسة جمهورية فرنسا.

تتأجج داخل هذا الصراع ديناميّات الصعود التاريخي لليمين المتطرّف الفرنسي، الذي كان حاضراً دائماً في التاريخ الفرنسي الحديث، ولكنه كان الأسرع عالميّاً في الوصول إلى نقلتين كبيرتين، الأولى عندما وصل جان ماري لوبان عام 2002 إلى الجولة الأولى للمنافسة ضد جاك شيراك، والثانية حين وصلت ابنته مارين لوبان عام 2017 ضد إيمانويل ماكرون.

داخل هاتين النقلتين، وعلى الطريقة الفرنسية الشهيرة، تحضر جدليّة الاحتلال: الألماني لفرنسا خلال الحرب العالمية الثانية وصعود حركة فيشي العميلة ثم المقاومة الفرنسية التي قادها اليساريون والديغوليون، والاحتلال الفرنسي للكولونياليات المستعمرة (وعلى رأسها عدد من البلدان العربية) والتي كان أسلاف جان مارين لوبان أو «الأقدام السوداء» أهمّ المؤيدين له والرافضين للاعتذار عن جرائمه حتى الآن.

فوز ماكرون لن ينهي حماس اليمين المتطرف لحكم فرنسا (وعلى روحها الحقيقية: ديمقراطية منفتحة على نسيج شعبها الواسع أم عنصرية تحضّر لحرب أهلية كامنة ومعادية لأوروبا والعالم) فبعد الانتخابات الرئاسية هناك الانتخابات التشريعية لاختيار أعضاء البرلمان الذين سيقرّرون نجاح من فشل أجندة الرئيس المقبل.

حجم الأصوات الكبير الذي قرّب لوبان من حلم اليمين المتطرّف بالرئاسة لن يختفي وسيعبّر عن نفسه في كل انتخابات مقبلة، وبالتالي فإنه سيفرض صوته على مؤسسات الحكم والسلطات والتشريع وسيحاول محاربة أي إصلاحات لتطوير البنى الاقتصادية والسياسية التي يطمح الرئيس الجديد لتطبيقها.

على صعيد القارّة «العجوز» فإن الأوضاع في الاتحاد الأوروبي أيضاً مؤهّلة للتوتّر على خلفيّة عوامل عدّة منها خروج بريطانيا وضغوط إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومحاولات روسيا فلاديمير بوتين المستمرة لدعم الاتجاهات اليمينية المتطرّفة، كما أن الأوضاع في البلدان العربية غير مرشّحة للتحسّن، فرغم اتفاق العالم «المتحضّر» على إنهاء ظاهرة «الدولة الإسلامية» فإن هذا العالم نفسه هو الذي يمدّ هذه الظاهرة بأسباب بقائها من خلال عدم قدرته على إنجاز حلّ تاريخي للقضية الفلسطينية، ومن خلال تغاضيه عن جرائم الاستبداد ضد الشعوب العربية، وخصوصاً في سوريا والعراق ومصر.

المهمّة المنصوبة أمام إيمانويل ماكرون ضخمة جدّاً، أوّلاً، في محاولة الخروج بفرنسا من هبوطها المستمر الذي ينعكس عمليّاً في إحباط الجمهور وخوفه ولجوئه إلى أوهام اليمين المتطرّف الاستئصالية والحادة، وثانياً، في استعادة الاتحاد الأوروبي زمام المبادرة أمام هجوم الشعبويتين الأمريكية والبريطانية ومجابهة العدوانية الروسية، وثالثاً، في تفعيل دور الاتحاد الأوروبي في المساهمة في حل القضية الفلسطينية وتقليم أظافر الاستبداد العربي.

فشل ماكرون في مهمته الصعبة سيكون الحصان الذي سيركبه اليمين المتطرّف (سواء كانت راكبته مارين لوبان أم غيرها) في المرة المقبلة لدخول قصر الإليزيه.