القدس العربي : المصالحة الفلسطينية: على أي جانبيك تميل؟

اثنين, 2017-10-02 22:28

تفاءل الفلسطينيون بدعوة حركة «حماس» لعودة الحكومة الفلسطينية في رام الله إلى غزة وما أدى إليه ذلك من عمل حثيث على مصالحة فلسطينية يكون من نواتجها حكومة وطنية موحدة تتمثّل فيها حركة المقاومة الإسلامية بحيث يتوحّد الصفّ الفلسطيني مجددا لمواجهة الاختلالات الإقليمية الكبيرة التي تعصف بالمنطقة ويكون قادراً أيضاً على التعاطي مع دعوات التسوية المتزايدة عربيّاً، والضغوط التي تتساوق معها عالميّاً.

وقفت وراء التوجّه أسباب عديدة داخليّة وخارجية، فقد وجدت «حماس» نفسها في خضم أزمة مالية وإنسانية أثّرت على قدراتها في إدارة البنية التحتية لقطاع غزة المخنوق أصلاً بإجراءات الحصار المستمر من قبل إسرائيل ومصر، وهو ما جعل سيناريو الانفجار الأمنيّ ممكناً، وأطلق صافرات الإنذار العربيّة والأمريكية.

إحدى مفارقات هذا الوضع أن السلطات المصريّة، الغارقة حتى عنقها في مطاردة جماعة «الإخوان المسلمين» وإصدار أحكام الإعدام والمؤبد ضدهم بادرت، للتفاوض مع «حماس»، بدفع من الإمارات العربية المتحدة لتوسيطها في إيجاد موطئ قدم للقائد الفتحاوي المفصول محمد دحلان في غزة تكون سلّماً لعودته إلى الضفّة والسلطة المركزية (وكذلك على تقديم ضمانات أمنية للقاهرة والذي نتج عنه موافقة الحركة على إنشاء منطقة أمنية عازلة بطول 12 كم وعمق 100 متر الخ…)، ولكن هذه الوساطة التي أغضبت «فتح»، الفصيل الأساسي في منظمة التحرير الفلسطينية، مما ساهم عمليّاً في تراجع وساطة القاهرة لصالح دحلان وتحوّلها إلى وساطة لصالح الرئيس محمود عباس والحكومة الفلسطينية المركزية.

على خلفية تفاؤل حكومة عباس بوجود اتجاه أمريكي (وعربيّ) لتحريك عجلة تسوية النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي فقد تقبّلت إيجابياً تفكيك «حماس» لحكومة غزة (اللجنة الإدارية)، وأرسلت حشداً كبيراً بقيادة رئيس الحكومة رامي الحمد الله إلى غزة الذي خطب في سكان غزة مؤكدا أن الاحتلال الإسرائيلي هو المستفيد الوحيد من الانقسام، ولكنّه ألمح أيضاً إلى «الوضع الكارثي الذي وصلت إليه غزة»، واعداً بإحداث تغيير إيجابي على حياة المواطنين.

تواجه المصالحة الوطنية الفلسطينية عقبات كثيرة لا تعتبر الخلافات الأيديولوجية بين «حماس» و«فتح» أكبرها، فالحركتان بلغتا من العمر ما يكفي لإدراك أن ما يوحّد الفلسطينيين أكبر من أي أيديولوجيا، كما يدرك الطرفان أن وجود حكومة وطنية موحدة، على أهميته السياسية الكبرى، ليس بديلا عن إيجاد حلول طويلة الأمد لحلّ إشكالات الضائقة الاقتصادية الكبيرة التي يعاني منها الفلسطينيون، وخصوصاً في غزة التي تواجه ضعف الموارد وكثافة السكان والحصار.

يحاول الفلسطينيون، وليس الحكومة و«حماس» فحسب، موازنة قضايا ثقيلة ومعقّدة تنوء بحملها الجبال، فهم يواجهون الزحف الاستيطاني الذي يطوّق مدنهم، وخصوصاً القدس، ويعانون من الحواجز الأمنية الإسرائيلية التي تقطّع أوصال بلادهم، وتحاول تكريس تقسيم وانفصال المناطق عن بعضها البعض، وتذكرهم يوميّاً بالحضور البشع لإسرائيل في تخريب تفاصيل حياتهم اليومية على كافة الأصعدة، الاجتماعية والأمنية والسياسية والتعليمية والوطنية.

وفي الوقت نفسه فإنهم يحاولون، بصعوبة بالغة، موازنة العلاقات والمصالح مع الدول العربية المؤثرة في مصيرهم، كما هو حال الأردن، التي تتوجس من استفراد القاهرة بملفّ المصالحة الفلسطينية، والسعودية التي تريد استخدام السلام الفلسطيني في استقرار عرش وليّ العهد محمد بن سلمان، والإمارات التي تريد إعلاء شأن دحلان، والاتحاد الأوروبي الذي لا يريد لواشنطن فرض أجندتها وحدها، والاتحاد السوفياتي السعيد بنجاحاته في سوريا، وإيران التي لديها أوراقها المؤثرة عبر «حزب الله» وحلفائه في لبنان… الخ.

وهو ما يجعل الفلسطينيين مثالاً بليغاً عن بيت المتنبي الشهير: وسوى الروم خلف ظهرك روم… فعلى أي جانبيك تميل؟