القدس العربي : نقل السفارة الأمريكية بين المسيحيين الصهاينة والعرب المهرولة

ثلاثاء, 2018-05-15 21:47

بعد 23 سنة على تشريع الكونغرس الأمريكي الذي قضى بنقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس المحتلة، وبعد أقل من ستة أشهر على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بوضع التشريع موضع التنفيذ، اتفقت دولة الاحتلال الإسرائيلي مع البيت الأبيض على أن يتصادف حدث النقل الرسمي للسفارة مع تاريخ رمزي خاص هو الذكرى السبعون لإقامة الكيان الصهيوني، وتكريس اقتلاع مئات آلاف الفلسطينيين من أراضيهم وتدمير عشرات القرى والبلدات.
الوفد الأمريكي إلى الاحتفال ضمّ 250 شخصية، تتصدرهم ابنة الرئيس الأمريكي وزوجها، فضلاً عن وزير الخزانة، ونائب وزير الخارجية، ومبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط، وعدد من أعضاء الكونغرس. وإذا كان الرئيس الأمريكي قد غاب بشخصه، فإنه قد حضر من خلال تغريداته ورسالته المصورة التي اعتبرت الحدث «يوماً تاريخياً لإسرائيل». وفي هذا السياق أيضاً يتوجب على الشعوب المحبة للسلام كافة، أن تحفظ في الذاكرة ذلك الموقف المشين للدول التي شذّت عن الإجماع العالمي وأرسلت سفراءها إلى الحفل، خاصة هنغاريا والتشيك ورومانيا التي كانت قد أحبطت مشروع بيان للاتحاد الأوروبي حول نقل السفارة.
حقائق أخرى يتوجب استذكارها في هذه المناسبة:
الحقيقة الأولى: أن الكونغرس الأمريكي، الذي تُلقى على عاتقه مهمة سنّ القوانين الصالحة والسهر على حسن تطبيقها، كان أسبق من البيت الأبيض إلى انتهاك القانون الدولي وإصدار تشريع نقل السفارة في سنة 1995، ثم التأكيد عليه مجدداً بإجماع مجلس الشيوخ السنة الماضية. ولم يكن تهرّب ثلاثة رؤساء أمريكيين من تنفيذ القرار إلا الدليل على تقدير حجم الأذى الذي يمكن أن يُلحقه تنفيذ التشريع بمكانة الولايات المتحدة ودورها كوسيط في عملية السلام.
الحقيقة الثانية: أن دوافع ترامب وراء تفعيل التشريع لم تنحصر في مغازلة مجموعات الضغط اليهودية، إذ أشارت الإحصائيات إلى أن نسبة 20٪ فقط من يهود أمريكا صوتوا له خلال الانتخابات الرئاسية، وأن 80٪ منهم لا يؤيدون نقل السفارة إلى القدس. إنها في الواقع تتوخى خطب ود اليمين الديني المتشدد، وخاصة مجموعات المسيحيين الصهاينة، وهؤلاء كانوا ويظلون رصيد ترامب الشعبي الأهم، بدليل أن مستشاره الروحي المتعصب القس روبرت جيفرس هو الذي تولى مباركة الاحتفال، الأمر الذي اثار حفيظة بعض كبار الساسة الأمريكيين أنفسهم.
الحقيقة الثالثة: أن الأوضاع المتردية التي تعيشها غالبية الأنظمة العربية، والهرولة خلف استرضاء واشنطن عبر عقود السلاح الفلكية، وممارسة أشد الضغوط لتمرير «صفقة القرن» ابتداء من رفع القدس عن طاولة المفاوضات، والانتقال بالانفتاح على إسرائيل إلى مستويات علنية، كل هذه السياقات منحت الرئيس الأمريكي مناخاً أفضل لتنفيذ التشريع. وليس غريباً بالتالي أن يتغنى الإسرائيليون بمواقف السعودية والإمارات والبحرين، وأن يلمحوا إلى أن ما خفي منها كان أعظم!
وتبقى الحقيقة الرابعة والأهم، وهي روح الرفض العارم لدى أبناء الشعب الفلسطيني كما تتمثل اليوم في «مسيرة العودة الكبرى»، وتفرض على القيادة الفلسطينية الارتقاء إلى مستوى الحدث الجلل، سواء عبر تمكين المقاومة الشعبية، أو تعزيز الوحدة الوطنية، أو تقديم إجابات سياسية وعملية مشرفة تليق بدماء الشهداء.