الشيخ محمد عبد الودود ولد الشيخ محمد أحمد بن الرباني (بيدَّه) :العلامة اللغوي الأديب/د.عبد الرحمن محمد محمود الرباني

اثنين, 2020-06-01 06:29

قبل أيام قليلة حلت الذكرى الرابعة والثلاثون لوفاة العلامة اللغوي الأديب محمد عبد الودود (بيدَّه) بن الشيخ محمد أحمد بن الرباني الذي توفي في يوم الأحد الموافق لـ 25 من شهر يناير عام 1981 م / 20 ربيع الأول 1401 هـ عن عمر ناهز السابعة والثمانين.
أذكر أنني أتيته مرة لأعرض عليه أبياتا له في الفخر قالها - ربما - في أيام شبابه فأعرض عني وصرفني عنه بلهجة لا تخلو من زجر وتعنيف، وسبب تلك الأبيات أن أحد المتأدبين أنكر عليه في مجلس أدبي استعمال "ميام" بدل "موام" في قصيدته التي يقول فيها:
إنّ حيًّا لدى "المُقيمِ" مُقيمُ *** هبَّ من ساحِه علَيَّ النّسِيمُ
حبَّذَا ساكن "المقيم" حُلولًا *** شاتياتٍ بجنبهنّ المُقـــــيم
زاركَ الطّيفُ من أميمة لمّا *** غَوّرت أنجُمٌ ونام الأنــــيم
عجبا من سُرى أناةٍ عروبٍ *** دونها أنجُدٌ وليل بَهيـــــم
وميامٍ من دونهن ميـــــــــام *** رب فيها عَزيفها والنّئيم
لم تَهيمي يا أم عمرو بصبٍّ *** مدة الأبْردين منك يَهيــم
لا يزال السقيم ودا ووجْـــدا *** وخبالا إن عد ود سقيــم
إنّ من لام مستهاما مشوقا *** بهوى الغانيات لهو المُليم
لا تلمني فإن لومك ظـــــــلم *** أيها العاذل الملح الظلوم
لا تظني أني تحولت إنــــــي *** لعلى العهد يا أميمَ مقيم
بِي كُلوم من لحظِها داميات *** لا بغير الوصال تَشْفَى الكُلوم
ليت شعري هل تنقض العهد بعدي *** أم عمرو أم أم عمرو تدوم
رَيْبَلٌ خَدلةٌ خَرِيــــــــدٌ خَريعٌ *** غادةٌ رادَةٌ شَموعٌ كَتومُ
راقني فرعها الأثيث فؤادي *** ومحيا طلق مليح وسيم
وتراقٍ مضيئةٍ وأديــــــــمٌ *** ومنظرٌ حسنٌ عليه النعيم
وعُمُورٌ كالأُقحوانِ وظَــــلْمٌ *** وأَلْمَى رائقٌ وخدٌّ كريم.
كان الرجل قد استنكر على الشاعر استخدام كلمة "ميام" فجاء الرد سريعا على هذا النحو:
منسوبً شعريَّ يا جُمْلي به فثقِي *** فالشعر منبعقٌ مني بلا شُققِ
شعر تهلهله الأفكار دحـــرج من *** يُنبوعِ اصمعَ لا نذل ولا وَعِقِ
تختاره من لُغى الأقحاحِ حُرْمُزَتِي *** نظم الصّناعِ سُمُوطَ الدّرِّ والقَلَق
ألا اتقوا لهجة من مُفلقٍ ذَلِقٍ *** فالحزم منه اتِّقَى ذِي اللهجةِ الذَّلِق
يَرومُ سامعُ شعرِي أن يلحِّنني *** أما دَرَاني مُــــجيدَ القولِ ذا ذَلَق
فكيف يخطِئُ من قد كان ذا لَبقٍ *** تحمي اللباقةُ من أخطاءِ ذِي لَبَق
حلوِ الفكاهةِ لم يُهْجِرْ بمنطقِه *** إن المَهَاجِرَ شأن الأشْرَسِ النَّزِقِ.

ومعروف عن عبد الودود رحمة الله عليه ميله الشديد إلى غريب اللغة وتقصده له.
وقد بلغني بالتواتر أنه عمل في آخر عمره على إتلاف كلما طالته يداه من شعره أيام شبابه من غزل ونسيب وفخر، وإن بقي يقرض الشعر عموما حتى آخر أيامه، من ذلك قوله قبل وفاته بقليل في الترحيب بالسيد محمد بن النهاه أحد أحفاد العلامة الشيخ عبد الله بن سيدي محمود الحاجي وكان قد جاءه في علب آدرس زائرا وهو يومئذ حاكم لمقاطعة أبي تلميت، يقول مرحبا ومشيرا إلى روابط روحية وعلمية كانت بين جديهما الكبيرين الرباني والشيخ عبد الله المذكور:
سميُّ المصطفى مُحيِ العهودِ *** عهودِ السالفين من الجدودِ
هم الرباني جدُّ الجـــــــدِّ منا *** حفيد منتمــــــــــاه إلى حفيد
وعبد الله جدكم انتمـــــــاه *** إلى محمود متبعا لسيـــــدي
وعبد الله شاع وذاع منـــــه *** جميع المكرمات بلا سُمــود
ومن أحفاده الندب المُفـــدّى*** سمي المصطفى محي العهود
لهم صيت تقادم لا يُضاهــى*** وذاع الصيت من بِيدٍ لبــــــيد
لهم فضل تُوارث من جدود *** توارثه جدود عن جـــــــــدود
وهم أرْيُ المُلايِنِ والمُواتِي *** وشَريٌ للمناوئ والحـــــسود
فلا زالت فضائلهم تَوَاصَى *** لدى الأمْلَا إلى يوم الوعــــــيد.

كانت حياة الشيخ حافلة بالعلم تعلما وتعليما وتمثلا وتجسيدا، وقد حفلت المراثي التي كتبها الشعراء والعلماء بمناسبة موته ببعض مآثره نقتطف صورا سريعة منها.
يقول في رثائه الشاعر الكبير محمد الحافظ بن أحمدو:
أتعنون ما قلتم وما ذا يُردَّدُ *** أحقًّا قضى عبد الودود محمدُ ؟
أعيدوا عليّ القوْل إني بمرية *** فهل ينقضي ترتيله المتردد ؟
كأني حسبت الشيخ قد صار مصحفا *** له هينمات كالدوي تردد
وإن نسيج الجسم منه قراءة *** من السبع والأعضاء لله سجد
فلهفي تموت اليوم والدين محدق*** به خطر والشرق والغرب ملحد
وذِي فتنة الدجال قد ذر قرنها *** وجفن ذوي التقوى قريح وأرمد
وجيلكم الأتقى النقي مـــــــودع *** وسلككم فيه انفـــــــــراط معدد
فهل رفع القرآن أشراط ساعة ؟ *** إذن هذه الصيحات والخطب الانكد
...
و في مرثية للأديب الفقيه المصطفى(الصافي) بن اخليفه يقول:
الموت يرمي كل آن عامدا *** والمرء يجمع كل يوم جاهدا
...
وابْكِ الهمامَ الأريحيَّ محمدا *** عبدَ الودود اللوذعيَّ الزاهدا
القانت، الورع، التقي، المنتقى *** طود العلى، البحر الخضم، الماجدا
العيلم، العلم، المجيد، المرتضى *** المقرئ، القُح، المفيد، العابدا
وزر الورى في فهم كل عويصة *** أعيت سراة في العلوم أماجدا
يا أيها الندب الذي ما رِيءَ عن *** سنن النبي المُنْحمنَّا حائدا
...
من ذا الذي يُقري العلوم بأسرها *** من بعد موتك سيرة وعقائدا
لغة، وتجويدا، بيانا، منطقا *** نحوا وفقها دانيا وشواردا
عللا وتاريخا، حسابا متقنا *** وتصوفا يكسو القلوب فوائدا
...
لم تلف إلا ذاكرا أو تاليا *** أو قائما أو راكعا أو ساجدا
أو صائما يوما شديدا حره *** أو مرسلا بالليل دمعا جائدا
أو مرشدا أو معرضا عن غير ما *** يعنيك أو وَزرا لمن جا قاصدا
أو مُغريا بالعلم دأبا والتقى *** أو عن طخى الفتن المضلة ذائدا
...
ومن مرثية القاضي العلامة محمذن فال بن محمدن بن أحمدو فال (ت.1991 م) رحمه الله:
ألا أيها الناعي إليك فإنما *** بقولك مات الحبر قد نعي الفضلُ
بفيك الحصى والرمل نغصت عيشتي*** ولا عيش بعد الشيخ قاطبة يحلُ
...
تقول ليَ الأندى: أيوجد شكله؟ *** فقلت فما للشيخ في عصره شكل
تعلم من آبائه المجد والعلى *** فإن بهم جنس المكارم قد يعل
فلا غرو أن حاز الوراثة ناشئا *** "أتغرس إلا في منابتها النخل ؟"
...
ومن مرثية الأديب الكبير محمد عبد الرحمن بن الشيخ عبد العزيز بن الرباني(ت. 1998 م):
أرتنا المنايا في الورى أمرها الإِمرا *** فلم نستطع نهيا ولم نستطع صبرا
...
ألم نَكُ نبكِ العلم والجود والتقى *** ألم نَكُ نبكِ الدين والنسك والذكرا ؟
ونبك الإمام الأورع العالم الذي *** به ازدهرت أعصاره وازدهت فخرا
إمامَ الورى عبدَ الودود محمد *** قضى نحبَه وترا وعاشرنا وترا
...
فما هو إلا عالم ومعلم *** بأخمَصه داس النعائم والنَّسرا
وخاطِب أبكارِ المعالي بعزمه *** فأمهرها بالفكر راغبة بكرا
هو الوَزر المقصود إن غُم مشكل *** وعدتنا في العسر يبدلنا اليسرا
وإن أخلف الغيث البلاد فإنه *** هو الغوث والغيث الذي يخلف القطرا
هو الشيخ وابن الشيخ وابن إمامنا *** محمدِ قطب العلم ذي اللحية الحمرا
...
ويقول الأستاذ الفقيه محمد خالد بن معاوية:
يا أيها القدر المحتوم لا جَرَمُ *** من حادث كاد منه القلب ينفصم
...
يا دهر هل سيولي بعد غيبته *** حبر ترافقه الآداب والحكم؟
حبر تُنكس أعلام العلوم له *** ويشتكى من حَماه السمع والكلم
عبدُ الودود الإمام العيلم العلم *** ولى فركن الهدى قد كاد ينهدم
حبر تود الليالي لو ترافقه *** إذ كان قوامَها بالذكر لا يرِم
وحدسه في أصول الدين قاعدة *** حقّ تسلمها إجماعا الأمم
حبر تذوب صخور المشكلات إذا *** بدا يفككها كأنها عدم
واستأصل العز من يافوخ دوحته *** فلا يجاريه في آلائه إرم
من بيت عز لهم في المجد منزلة *** ما نالها قبلهم عرب ولا عجم
...
ويقول الأستاذ الأديب محمد بن دحان:
شمس المعارف نورها يتغيب *** والدين باك دمعه يتصبب
والمكرمات نوازح والعلم قد *** قامت بواكيه نوائح تندب
والسنة الغرَّا تداعى أسُّها *** والجود ولَّى والمعالي غيب
...
لم لا وقد ذهب الفتى المحمود من *** بذهابه كل المحامد تذهب ؟
لم لا وقد ولى الجواد محمد *** عبدُ الودود أخو المعالي الطيب ؟
العابد الورع التقي المرتضى *** العالم الندس الفتى المتأدب
باب المكارم قطب كل فضيلة *** بحر الهدى الطّامي الذي لا ينضب...
من للمكارم والعلى من بعده؟ *** من للملمات التي قد تصعب ؟
من للعلوم وللكتاب وللغى؟ *** من للمعاجم بعده من تصحب ؟
أين الصحاح وأمهات مذاهب؟ *** أين المدارك، بل وأين المذهب ؟
...
ما ضيع العمر المظفر سعيه *** أيام جاد به الزمان الأعذب
ما فاه بالعوراء قط وما صغى *** بفؤاده لمحدث قد يكذب
فهو البليغ لدى الخِطابة مِصقَع *** ذَرِبٌ فصيح يُتقى إذ يخطُب
أما لدى سقط الكلام وفضله *** هيهات فهو الأخرس المتهيب
ثبتُ الجنان موفق في قوله *** بطل إذا حمي الوطيس مجرب
هذي فضائله لها صح البنا *** وفضائل الأقوام طرا تعرب
مجد تواراثه الجدود بنيهم *** وخلافة أرسى دعائمها الأب
...

ويقول العلامة الدنبجه بن معاوية (ت. 1997 م) من مريته فيه:
نعى الناعون كل ندى وجود *** بنعي محمد عبد الودود
نعيتم أريحيا ألمعيا *** قليل المثل حفاظ العهود
له بعد الهدوء دوي ذكر *** يُقطَّعُ بالركوع وبالسجــود
به وبمثله كانت علينا *** ليالي اليُمن طالعة السعود
...
صعدت ذُرى العليا طفلا وكانت *** ذُرى العلياء صعبات الصعود
...
ويقول فيه امّود بن بايّ في مطلع مرثيته مؤرخا لتاريخ وفاته:
افْهايْ اكاف امن المعدودْ *** وادعــــــنَ الامام العليم
علّامتنَ عبد الـــــــــودود *** العالم لكريم الزّعــــــيم...

ومن غير المراثي يقول فيه الأديب محمد عبد الرحمن بن الرباني
جدّكْ محمود الْفيهْ ابــــــــانْ *** ماهُ خالݤْ غيْرُ فانســـــانْ
مُولَ علْمْ أمولَ قـــــــــــرآنْ *** أمولَ جودْ أعلمُ مرفــــــودْ
وافْ محمد عبد الرحــــمن *** ذاكْ الْكاملْ كان افْ محمود
واتْلاحِݤْ فِ امَّــدْ بالزَّيْدان *** ذاكْ الْفيهمْ كاملْ موْجُــــودْ
وانتَ لاحِݤْتْ افْطَنْ فابْلــــدْ *** يمّــــــــــــحمد عبد الودود
ذاك الْ ف امَّدْ وافْمّـــــحمد *** عبد الرحمن أيه امحمــود
امّد: هو الشيخ محمد أحمد والد الممدوح، ومحمد عبد الرحمن هو جده المعروف بالشيخ محمد.
ويقول فيه الشاعر الشيخ بن اعليّ:
عبد الودود اݤْبَظْ تاريخْ *** فالعلم ابّاتُ سيّـــــانِ
فالعلم أذاكْ العلم اسِيــخْ *** فاوْلادْ العلم متْــݤَانِ
عبد الودود اذاك امْخِيخْ *** بُوهْ الشيخ اعلمُ هانِ
والشيخ امَّلِّ بوهْ الشيخ *** محمـــــد ولْ الرّبانِي
...

ظل عبد الودود عميدا للمحظرة الربانية قرابة نصف قرن من الزمان شهدت المحظرة خلالها توارد المئات من الرواد الذين أخذوا عن الشيخ، نذكر منهم إخوته الصغار: أحمد يور(ت.1366هـ) ، المصطفى(ت.2004م)، اسماعيل(ت.2007م)... وابني أخويه: أحمد بن امود (ت. 2002 م)، والإمام محمد محمود بن أحمد يور، وابن عمه الفقيه محمد محمود (حمود) بن عبد القادر(ت. 1995 م) والشاعر الشهير محمد الحافظ بن أحمدو، وغيرهم كثير...

من صفحة الدكتور : عبد الرحمن محمد محمود الرباني