مستقبل يبحث عن سرديته...

خميس, 2020-10-22 09:00

مستقبل يبحث عن سرديته...

بهذا العنوان المثير نشر الباحث التركي بكير آغردر كتاباً تناول فيه أحوال
تركيا والعالم، بمختلف وجوهها ومشكلاتها، مستثمراً خبرته العلمية والتقارير الدورية لمؤسسة «كوندا» لاستطلاعات الرأي التي يقوم بإدارتها.
«لقد كشف وباء كورونا المعروف بكوفيد 19 عن عمق المشكلات التي يعاني منها العالم منذ أكثر من أربعين عاماً، وتم غض النظر عنها وكأنها غير موجودة». من هذه المقدمة ينطلق آغردر ليقول إن السردية التي ستحدد مستقبل البشرية تتعلق بأشياء أكثر من الوباء وحده. يشير الباحث إلى التناقض الصريح الذي كشفه الوباء بين مواجهته بأداة هي الدولة القومية، في حين أن مواجهة فعالة تتطلب منظمة فوق قومية تتمتع بسلطة حقيقية. أما منظمة الصحة العالمية فقد كشف الوباء، أول ما كشف، قصورها عن مواجهة أزمة بهذه الخطورة. فلا مواردها المحدودة سمحت بتطوير وسائل مواجهة فعالة، ولا هي تتمتع بصلاحيات حقيقية تخضع لها حكومات العالم. فقد ترك الأمر لحكومات الدول القومية لاتخاذ الإجراءات التي تراها كافية، فتصرفت كل حكومة بطريقة مختلفة ورائزها الأساسي التأثير السلبي لتدابير الإغلاق على الاقتصاد وارتداداته الاجتماعية ـ السياسية.
التناقض الثاني الذي لم يكن بحاجة لظهور الوباء لنعرفه هو بين اقتصاد معولم إلى أبعد مدى ودول قومية تزداد في الآونة الأخيرة انغلاقاً بسبب صعود التيارات والقادة الشعبويين في كثير من الدول بينها دول عظمى.
يتحدث آغردر عن ثلاث ديناميات تدفع نحو التغيير هي: التغير الذي تخضع له الكرة الأرضية، ومن مفرداته ارتفاع حرارة الكوكب، وارتفاع نسبة الكربون في الغلاف الجوي، وثقب الأوزون، والجفاف، واتجاه الموارد الطبيعية نحو النفاد، بما في ذلك مياه الشرب، وانقراض الأنواع النباتية والحيوانية، وتلوث الماء والهواء والتراب وغيرها من المشكلات الكبيرة التي تعني البشرية جمعاء ولا يمكن حلها ببرامج قومية منعزلة. «والحال أننا تصرفنا كالنعامة، متجاهلين هذه الأخطار المحدقة بنا، فلم نعمل على تغيير أنماط الإنتاج والاستهلاك الراسخة منذ الثورة الصناعية» الدينامية الثانية تتعلق بتسارع الحياة اليومية للبشر بفعل التطورات التكنولوجية في مجالات المعرفة والاتصالات والمواصلات، أو ما يسمى باختصار بالثورة التكنولوجية. وتزداد عملية الإنتاج استقلالاً عن الزمان والمكان، فلا يقتصر تأثير ذلك على تسارع إيقاع الحياة اليومية، بل يخلخل أيضاً التراتبية الاجتماعية والستاتيكو الراسخ.
وتتعلق الدينامية الثالثة، في رأي آغردر، بالتغير الجاري على حركة البشر بين البلدان والقارات المختلفة، فتنشغل الدول القومية بالبحث عن وسائل لوقف هذا الحراك أو الحد منه، في حين أن حركات الهجرة تتسع باطراد فتشمل ملايين البشر الذين يحلمون بتحسين ظروف حياتهم أو يفرون من أوضاع لا تطاق.