العلامة محمد يحيي ولد محمد الدنبجة ،القاضي المعروف بقاضي الصلح

اثنين, 2014-11-03 15:52

محمد يحيى بن محمد الدنبجه (العلامة القاضي ) 
1979-1909م
بقلم ابنه محمدعبد الرحمن (محمدن) ولد محمد الدنبجه

مقدمة
من الصعب أن يكتب المرء عن أبيه؛ حيث لا يسلم في العادة من امتزاج  العواطف بالحقائق وحيث يصعب التجرد من تلك   العواطف…
ورد ت إلى ذهني حقائق من هذا القبيل حين طلب مني الإخوة المشرفون على موقع ''المنارة والرباط'' أن أكتب لهم عن الرجل وربما عن غيره.

وإلى جانب ذلك تبرز صعوبة أخرى هي المتعلقة بموسوعية الرجل ـ رحمه الله ـ وتواضع معارف الكاتب المترجم.
أحجمت قبل الإقدام على هذه المخاطرة؛ غير أن الجوانب الذاتية ـ معززة بحب المشاركة في التعريف بتاريخ البلاد وأعلامها ـ كسبتالمعركة في نهاية المطاف؛ ولو أن الرجل كان يؤثر في حياته أن ينشر ما استطاع من السنن المنسية أو المهجورة إيثاره التريث والتحري، مستحضرا بالدوام أنه مسؤول، يوم القيامة عما يكتب، ما جعله في الأغلب الأعم يصدر كتاباته ببيت شعر لم أستطع أن أعرف قائله :
ولا تكتب يمينك غير شيء  *يسرك في القيامة أن تراه"

فمن حقه ومن حق العلم وطلبته أن ننشر ما نستطيع من تراثه.

وليكن هذا البيت زماما ننقاد إليه ـ بإذن الله ـ في هذه المسامرة التي لا تخلو من المخاطرة مع حياة هذا القاضي العادل محمد يحيى بن محمد الدنبجه

مولده ووفاته
ولد القاضي محمد يحيى بنعبد الله بن المصطفى بن محمد الدنبجه ـ رحمه الله ـ في حدود 1910 في مقاطعة بتلميت بموريتانيا، وتوفي يوم الجمعة 17 رمضان 1399 هـ، الموافق 10 أغسطس 1979 بالمستشفى الوطني بانواكشوط ودفن نفس اليوم في المقبرة الشهيرة ''انواتيل ـ على بعد ما يقرب من 48 كلمترا شمال ـ شرق بتلميت، حيث دفن مع سبعة من آبائه من جهة أبيه.

دراسته
درس القرآن على ابن عمه المقرئالسيد سيد احمد ولد آده ـ رحمه الله ـ قبل أن يبدأ دراسة النصوص الفقهية واللغوية على مجموعة من العلماء نذكر منهم ـ معتمدين على ما كتبه هو نفسه :
خاله العلامة المرابط محمذن ولد أحمدو فال، ثم ابنه محمد الحافظ الملقب آفو، الشيخ محمد أحمد ولد الرباني الذي أهداه طرة ألفية ابن مالك ـ بخط غاية في الروعة ـ ثم درس العقيدة على ابن عمه الشيخ الصالح مبرك ابن المصطفى ابن مبرك الملقب موناك [وقد قرأت في تقرير للحاكم الفرنسي جاك بيريس أعده خلال مهمة في البلد هدفها دراسة الوضع الثقافي والروحي، أنه كان أنبغ تلامذة موناك الذي حضر الحاكم ذاته أحد دروسه في العقيدة أو التوحيد] ثم درس خارج حي عشيرته على القاضي العادل العلامة سيدي محمد ولد داداه الملقب الراجل، وارتاد عدة مرات محظرة الشيخ يحظيه ولد عبد الودود التي وصفها الدكتور أحمد بابا مسكه بأنها كانت بمثابة السربون في موريتانيا حينها.
أما خارج البلد فقد أجازه مفتي تونس ابن عاشور في كل مقروء ومسموع.

مهنة القضاء
شارك ـ رحمه الله ـ في مسابقة لاكتتاب مجموعة من القضاة غداة الاستقلال نجح فيها وذهب رفقة زملائه إلى تونس لتلقي تدريب هناك، وحين عاد عين في المحكمة العليا بانواكشوط حيث قضى بضع سنوات قبل أن يحول رئيسا لمحكمة قاضي بتلميت التي بقي فيها حتى وفاته رحمه الله تعلى.
يجمع سكان المقاطعة على أنه من النادر أن يحكم بين المتخاصمين ويقولون إنه لا يزال بالخصمين وعظا وإرشادا وتقريبا حتى ينتهيا بالصلح متراضيين، معتمدا سيد الأحكام: الصلح،،،ولهم في ذلك حكايات كثيرة تجمع كلها على أنه كان يقوم في الحالات التي يضطر فيها إلى الحكم بتعويض الطرف المحكوم لغير صالحه.

أخلاقه
توفي ـ رحمه الله ـوأنا حدث ، غير أني سأذكر من خصاله بعض ما أدركه وعيي الصغير أو ما أدركته وفهمته حين كبرت.
ـ كان غاية في التواضع والأدب مع الجميع، حيث يقل أن يخاطب شخصا ـ كائنا من كان ـ بغير ضمير الجمع، ما قد أحرج، بعض الأحيان، بعض أبنائه أو من هم بمثابة الأبناء؛ ومن ذلك ـ مثالا ـ أنه خاطب ذات مرة أحدهم قائلا ''وهاو إلاه أي تعالوا هنا فذهب المخاطب ـ ابن أخته ـ ليدعو بقية الأطفال ظنا منه أنه يريد الجميع، ولم ينتبه إلا حين رأى القاضي يذهب بنفسه لإحضار الوضوء بنفسه، فعاد معتذرا.
ـ كان منفقا حريصا على أن يكون إنفاقه خفيا مكتوما امتثالا منه واجتنابا للرياء، وأعرف شخصيا من ذلك أمثلة كثيرة؛ وقد أجاد أحد رثاته ـ السيد أحمدو ولد الشيخ محمد أحمد الملقب الدامين رحمه الله تعلى ـ حين قال من الشعر الحساني: والمعطَ ساس جبديه ومعناه أن أغلب عطائه مناجاة ـ على انفراد:؛ خير النجوى ( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بضدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس.)
ضاعف الله ذلك كله وغير ذلكأضعافا كثيرة.
ـ كان كثير القيام بالليل حتى إذا سمع صوتا قادما تظاهر بالنوم
ـ كان شديد التمسك بالسنة حريصا عليها، يعمل بأقوى الأدلة دون مماحكة أو جدال أو مراءاة؛ والظاهر أنه كان كذلك منذ البداية، حيث حدثني السيد الخليفه ولد اخليل العلوي أنه رآه بداية الخمسينيات من القرن الماضي يعمل بسنة القبض، وأنه كان ـ على حد علمه أول من بعمل ذلك في محيطه لأن الرأي السائد حينها ـ وإلى حد ما إلى اليوم ـ أن القبض مكروه عند الإمام مالك.
وعن التقليد، رأيت في إحدى رسائله إلى القاضي العادل محمد عبد الرحمن ولد السالك الملقب النح رأيا مفاده أن الجاهل حيث يطلقها أهل الاختصاص إنما تعني القاضي المقلد وأن الناس هم العلماء.
ـ كان له تعامل خاص مع الموالي والعمال وكان يعلمنا ـ والحمد لله ـ ألا نقول هذه الخادم، أما هو فكان يرسل الرسائل إلى بعضهم ـ وعندي بعضها ـ فيكتب إلى الإبن أو الأخ أو الوالدة حسب سن المكتوب .إليه... لقد كان متقدما على عصره.
وقد حدثني الحجةالحافظ العدل محمد خالد ولد عالي ولد معاويه أن القاضي كان ينوى الذهاب إلى جهة ما لزيارة قريب أصغر سنا من القاضي فقال له محمد خالد والله لا تذهب إليه فابتسم الرجل ابتسامته المعهودة وقال نفعل إن شاء الله ما تريد أو شيئا قريبا من هذا المعنى؛ ومحمد خالد من القاضي بمثابة الابن سناوقرابة.

مؤلفاته
من  أبرز مؤلفاته، بمكنأن نذكر:
ـ نظم تفسير ابن عباس رضي الله عن الجميع1
ـ أمهات النبي صلى الله عليه وسلم
3ـ نظم واف في أحكام البيع
4ـ نظم في أحكام الجمعة حققهالأستاذ محمد الحافظ ولد اسماعيل
ـ رسالة الإجازة من المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية في انواكشوط
5ـ نظم في أحكام الصرف والمصارفة
6ـ الجواب المختصر في الفرق بين الأثر والحديث والخير
7ـ نظم المغازي من أمهات كتبالحديث
8ـ نظم أمراض القلوب وعلاجها؛ حاول شرحه العبد الفقير ابن المؤلف
9ـ رحبة المسجد، هل هي من المسجد؟
10ـ الفرق بين التقليد والاتباع
11ـ مجموعة من المراسلات العلمية مع مجموعة من خيرة علماء البلد، من أبرزهم قاضي الجماعة محمد عبد الرحمن ولد السالك والقاضي أحمد ولد حكي قاضي تامشكط والعلامة المؤرخ هارون ولد الشيخ سيدي وأخوه القاضي إسماعيل ومؤرخ موريتانيا المختار ولد حامدن، ومن خارج البلد الشيخ آب ولد اخطور الذي أرسل إليه نسخة من كتابه أضواء البيان للاطلاع عليها قبل النشر رحمهم الله جميعا، وغير هؤلاء من العلماء الثقات.
12ـ ديوان شعر حققهالأستاذ الفاضل المحقق المختار ولد المصطفى ولد معاويه للحصول على الإجازة في الأدب العربي
وله غير ما ذكرت مؤلفات لا تحضرنيالآن.

الختام
وأختم هذه السيرة المقتضبة بشهادةالعلامة الفهامة الدراكة المرابط محمد سالم ولد محمد عالي ولد عدود، وهو من هو حيث يقول راثيا القاضي وابن عمه القارئ الشاعر المصطفى ولد أحمد محمود ولد معاويه ـ توفي الأخير قبل القاضي بأسبوعين
آل الدنبجَ ألا اصبروا نصبر بكم   فلكم نراكم في الخطوب جلادا
كنا نرى يحيى ابن عبد الله إن     دهت النوازل بالعباد أجادا
حلما وعلما واحتمالا للأذى     وتواضعا وتكرما ورشادا
وقضاءَ عدل ما تعقب حكمه     إلا عناداثم بان سدادا
فالله يرزق سيدينا عنده          رزقا كريما لا يخاف نفادا
آمين، والحمد لله رب العالمين

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*

لمزيد من التفصيل يمكن العودة إلى ديوانه الذي حققه الأخ الفاضل المختار ولد المصطفى ولد معاوية