أنقذوا شمال قطاع غزة من الجوع والعطش/ المصطفى ولد أحمد معاوية
بكل أسف،يتفاقم الألم في شمال قطاع غزة، حيث يواجه السكان هناك جحيماً حقيقياً، فلم تعدْ إسرائيل تحتاج إلى استخدام آليات القتل والتدمير الجماعي لتدمير هذا الشعب المحاصر؛ يكفيها الآن أن تحاصره وتجوّعه، وتتركه دون ماء، لتضيق الخناق على حياة إنسانية بائسة باتت تقاوم الموت يوماً بعد يوم.
منذ أسابيع، يعيش شمال قطاع غزة كارثة إنسانية بكل معنى الكلمة، الناس هناك يموتون ببطء، ليس فقط تحت وطأة القصف أو الحصار العسكري، ولكن بسبب الجوع والعطش. فالمستشفيات، إن بقيت تعمل، تكافح بلا موارد، المياه النظيفة أصبحت حلماً بعيد المنال، والطعام يتلاشى تدريجياً، كيف يمكن لأي ضمير حيّ، أن يقبل بترك شعب بأكمله يموت بهذه الطريقة البشعة؟
اليوم، نحن لا نصرخ فقط من أجل أن يسمعنا المجتمع الدولي، بل نصرخ من أجل أن يشعر بما يعانيه هؤلاء الأبرياء: الأمم المتحدة، المنظمات الدولية، قادة العالم، وكل من يمتلك ذرة من إنسانية، يجب أن يتحرك الآن، وليس غداً أو بعد شهر، بل اليوم.
نعلم أن العالم يشاهد، ولكن المشاهدة الصامتة لا تكفي. في شمال غزة، هناك آلاف من الأطفال الذين لا يجدون شربة ماء أو لقمة طعام، هناك نساء وشيوخ يعانون من أمراض لا يجدون علاجاً لها، فقط لأنهم وُلدوا في مكان أصبح اسمه “قطاع غزة”.
وإذْ يواصل الكيان الصهيوني استخدام الأسلحة التقليدية للإبادة الجماعية، فهو يمارس الإبادة بطريقة أخرى؛ الإبادة بالحصار، الإبادة بالجوع، الإبادة بالعطش. وهذه جرائم في حق الإنسانية، لا يمكن أن تُغتفر أو تُنسى.
نحن نطالب بتحرك عاجل وفوري لإنقاذ الأرواح، وبفتح ممرات إنسانية وإيصال المساعدات الغذائية والطبية والمياه، وهذا أقل ما يجب أن يتم.
ولقد جرّب الكيان الغاصب، عبر عقود من الاحتلال، جميع أنواع القمع والتقتيل في حق الشعب الفلسطيني، من القصف العشوائي إلى الاجتياحات، من الحصار إلى الاعتقالات الجماعية، ومن سياسات التجويع إلى الحرمان من أبسط حقوق الإنسان، إسرائيل لا تقيم وزناً للمجتمع الدولي ولا لقيم الإنسانية؛ إنها لا تعرف سوى ممارسة الظلم، وتعرف الاحتلال لأنها تسعى لتكريسه، وتعرف القهر لأنها تمارسه يومياً على الشعب الفلسطيني الذي لا يريد سوى الحرية والكرامة.
وفي هذه اللحظات العصيبة، بات واجباً علينا جميعا: كتّابا وصحفيين، بل أصحاب الكلمة الحرة أن ينتفضوا للدفاع عن حقوق هذا الشعب المظلوم.
إن القلم، في مثل هذه الظروف، يمكن أن يكون سلاحاً قوياً يضاهي قوة الرصاص. يجب أن تتحد الكلمات من مختلف أرجاء العالم لتُسلط الضوء على هذه الكارثة الإنسانية التي مضى عليها أكثر من عام، في محاولة لإيقاظ الضمير العالمي وحثه على التحرك.
على الصحفيين والكتاب أن يسخّروا أقلامهم للحديث عن معاناة غزة، وأن يكونوا صوتاً لمن لا صوت له، فهم يحملون مسؤولية كبيرة في نشر الحقائق، وكشف الأوضاع المأساوية، وحث المجتمع الدولي على اتخاذ خطوات فعلية لرفع هذا الظلم.
إن التضامن بالكلمة هو أقل ما يمكن تقديمه الآن، لكنه قد يكون بذرة التحرك الجاد لإنقاذ أرواح بريئة تُفقد يومياً في ظل الصمت الدولي.
اللهم قد بلّغت، اللهم فاشهد.