المفاوضات الأمريكية مع حماس: بين واقعية المصالح وتآكل التحالفات التقليدية

شهدت الأسابيع الأخيرة تطورات لافتة في السياسة الأمريكية تجاه بعض خصومها التقليديين في الشرق الأوسط، أبرزها المفاوضات غير المباشرة مع حركة حماس، والتي أسفرت عن إطلاق سراح الجندي الأمريكي-الإسرائيلي عيدان ألكسندر. ما أثار الجدل ليس فقط طبيعة هذه المفاوضات، بل كونها جرت دون تنسيق واضح مع إسرائيل، ما يشير إلى تحول عميق في أدوات السياسة الخارجية الأمريكية.
أولاً: مفاوضات واشنطن مع حماس دون تنسيق مع إسرائيل
في خرق واضح للتقاليد الدبلوماسية السابقة، خاضت الولايات المتحدة محادثات غير مباشرة مع حماس في الدوحة بهدف إطلاق سراح رهائن، بينهم ألكسندر، دون إعلام إسرائيل مسبقًا. ووفقًا لمصادر إعلامية، اتهمت واشنطن إسرائيل بمحاولة إفشال جولة سابقة من هذه المفاوضات، ما دفعها إلى إبقائها سرية خشية العرقلة.
وفي هذا السياق، كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت أن مسؤولين أمريكيين عبّروا عن استيائهم من تصرفات إسرائيل التي “سعت لإفشال الجهود الأمريكية”، فيما نفت تل أبيب ذلك واعتبرت أنها لم تُستشر في الأمر.
ثانيًا: أبعاد إطلاق سراح عيدان ألكسندر
إطلاق سراح الجندي عيدان ألكسندر كشف جانبًا من التوتر المستتر بين واشنطن وتل أبيب، إذ بدا أن الولايات المتحدة باتت تتحرك وفق أولوياتها الوطنية والإنسانية المباشرة، ولو على حساب التنسيق مع إسرائيل.
وعبّر رون ديرمر، مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي، عن اعتراض شديد على الخطوة الأمريكية، مؤكدًا أن المفاوضات مع حماس دون موافقة إسرائيل “لن تتكرر” بحسب تعهدات قدمها مسؤولون أمريكيون بعد الأزمة. كما وقعت مكالمة وصفت بـ”الصعبة” بين ديرمر والمبعوث الأمريكي آدم بوهلر، بسبب ما اعتبرته إسرائيل “مقترحات أمريكية قُدمت لحماس دون علمها”.
ثالثًا: التحول الأوسع في سياسة واشنطن بالمنطقة
هذا الحدث لا يمكن عزله عن التوجه الأمريكي الأوسع في الشرق الأوسط، والذي يتمثل بـ:
الانفتاح على الحوار مع الحوثيين في اليمن، رغم هجماتهم البحرية.
استمرار قنوات التفاوض الخلفية مع إيران بشأن الملف النووي وقضايا الرهائن.
هذا النهج يعكس تحولًا من سياسة الاحتواء إلى “إدارة الخصومة عبر الحوار”، وهو ما وصفه مراقبون بأنه براغماتية واقعية تسعى للحفاظ على النفوذ الأمريكي بأقل تكلفة.
رابعًا: قلق إسرائيلي متزايد
من الواضح أن غياب التنسيق حول ملف حماس أثار قلقًا بالغًا في الأوساط الأمنية والسياسية الإسرائيلية. فقد رأت مصادر عسكرية إسرائيلية أن واشنطن “تجاوزت الخط الأحمر” حين تصرفت دون التشاور، مشيرة إلى أن إسرائيل قد تُجبر على دفع أثمان سياسية أو أمنية بسبب أي اتفاقات أمريكية-حماسية تُعقد خلف الأبواب المغلقة.
كما أبدت شخصيات عسكرية سابقة قلقها من الاستفراد الأمريكي بالتفاوض مع خصوم إسرائيل في المنطقة، معتبرة ذلك مؤشرًا على تآكل خصوصية العلاقة الاستراتيجية التي تربط البلدين.
فهل ستكون المفاوضات الأمريكية مع حماس، وإطلاق سراح عيدان ألكسندر خارج التنسيق مع إسرائيل، توجهًا جديدًا في السياسة الأمريكية، يعيد رسم أولوياتها بعيدًا عن الالتزامات المطلقة لحلفائها التقليديين. في ظل هذه التحولات؟، أمن أن الشرق الأوسط يتجه نحو مرحلة أكثر تعقيدًا وتعددية في موازين القوى والتحالفات، حيث تصبح البراغماتية الأمريكية أداة رئيسية لإدارة الصراع بدلًا من الانحياز المطلق؟