تحليل سياسي: موازين القوى في سوريا وتأثير التحولات في حلب
معركة حلب كانت نقطة تحول في الصراع السوري، حيث أعادت رسم خريطة النفوذ في البلاد. تنوع المعارضة المسلحة في جنسياتها وأيديولوجياتها عكس الطبيعة المعقدة للصراع، بينما أثبتت القوى المتدخلة قدرتها على تحقيق مكاسب استراتيجية، وإن كان ذلك على حساب استقرار سوريا ومستقبلها.
حلب: مركز استراتيجي وتحولات عسكرية حاسمة
كانت حلب منذ بداية الأزمة السورية محوراً رئيسياً للصراع، حيث انقسمت إلى قسمين: غربي تحت سيطرة الحكومة السورية، وشرقي تسيطر عليه المعارضة المسلحة. معارك حلب الكبرى التي بلغت ذروتها أواخر 2016، مثّلت نقطة تحول كبرى في مسار الحرب السورية.
المعارضة المسلحة في حلب: طبيعتها وجنسياتها
الطبيعة والتنظيم:
شملت المعارضة المسلحة في حلب خليطاً من الفصائل ذات التوجهات المختلفة:
الفصائل المعتدلة: مثل “الجيش السوري الحر”، المدعوم من تركيا وبعض الدول الخليجية.
الجماعات الإسلامية: مثل “جبهة النصرة” (فرع القاعدة في سوريا)، و”أحرار الشام”.
فصائل متشددة أخرى: ضمت مقاتلين أجانب من آسيا الوسطى، والقوقاز، وحتى شمال إفريقيا.
الدعم الإقليمي والدولي:
تركيا دعمت بقوة “الجيش السوري الحر” والفصائل المرتبطة بها، بهدف الحفاظ على نفوذها شمال سوريا.
دول الخليج قدمت دعماً مالياً ولوجستياً لبعض الفصائل في بداية الصراع.
المعارضة استفادت من تدفق السلاح والمقاتلين عبر الحدود التركية، مما عزز وجودها لفترة.
الأحداث التي سبقت السيطرة على حلب
1. حصار شرق حلب:
في منتصف 2016، فرضت القوات النظامية السورية وحلفاؤها حصاراً محكماً على الأحياء الشرقية التي كانت تحت سيطرة المعارضة.
الحصار تسبب في نقص حاد في الغذاء والدواء، وأضعف قدرة المعارضة على الصمود.
2. الدعم الروسي والإيراني:
روسيا استخدمت قوتها الجوية بشكل مكثف لضرب مواقع المعارضة، مما أدى إلى إضعاف بنيتها التحتية.
الميليشيات المدعومة من إيران، مثل حزب الله، لعبت دوراً حاسماً في العمليات البرية.
3. الاتفاقات الدولية والمحلية:
تركيا وروسيا قادتا مفاوضات حول مصير حلب، حيث تم التوصل إلى اتفاق لإجلاء المقاتلين والمدنيين من الأحياء الشرقية مقابل استعادة الحكومة للسيطرة الكاملة.
الاتفاق تزامن مع تصعيد عسكري مكثف أجبر المعارضة على قبول الخروج.
ما بعد السيطرة
استعادت الحكومة السورية السيطرة الكاملة على حلب أواخر ديسمبر 2016. هذا الحدث كان بمثابة انتصار استراتيجي لها وحلفائها، لكنه كشف أيضاً عمق التنافس بين القوى الدولية والإقليمية حول مستقبل سوريا.
—
تأثير التحولات في حلب على موازين القوى
روسيا وإيران
روسيا استخدمت حلب لإبراز قوتها العسكرية وقدرتها على حسم النزاعات الإقليمية.
إيران استغلت الانتصار لتعزيز نفوذها في الشمال السوري، رغم المنافسة مع روسيا.
تركيا
خسارة المعارضة في حلب مثّلت نكسة لأنقرة، لكنها دفعتها للتركيز على مناطق النفوذ الأخرى مثل إدلب والشمال.
أعادت تركيا ترتيب أولوياتها لتعزيز وجودها في المناطق الحدودية ومنع تقدم القوات الكردية.
الولايات المتحدة وإسرائيل
الولايات المتحدة اعتبرت الانتصار في حلب تعبيراً عن قوة التحالف الروسي-الإيراني.
إسرائيل زادت من استهدافها لمواقع إيران وحزب الله في محيط حلب لمنع تعزيز وجودهم العسكري