المتهور . الولي ولد سيد هيبه

اثنين, 2015-03-30 17:54

 

 

    قال الشاب "متهور" المنتفخ الأوداج و الغارق حتى الثمالة في نرجسية جاهلية و طغيان غفلة صبيانية و قد خرق إشارة حمراء محدثا اضطراب في يسر المرور:- لماذا أقف عند إشارة الضوء الأحمر و الاتجاه الآخر خال من السيارات و كما تشاهد فإن أفراد الشرطة المرابطين عنده غارقون كما ترى في حديث أغلب الظن أنه عبثي ؟رد زميله "حكيم" الجالس إلى جانبه و القادم لتوه من الخارج:- لأنك لو فعلت تكون بذلك قد التزمت باحترام قواعد المرور و احترمت النظام و صنت الأرواح و السيارات من خدر و عواقب الحوادث.ضحك "متهور" ذو الهندام الأنيق و السيارة الفاخرة و قال:- صحيح أنك قادم لتوك من الخارج ... تتحد عن النظام و كأنك لست مواطنا في هذه البلاد.. إنك لم تغب عنها إلا مدة أقل من الأسبوعين .. و ها أنت قد تتحدث عن الانضباط و صون الأرواح و الحفاظ على النظام.. يا للدنيا و تقلباتها.. "يأخذ لوحا لتوه... ثم يفتي و يفتي" كما قال رئيس أسبق لهذه البلاد. و على الرغم من استيائه مما صدر عن الضاب "متهور" من كلام لا يحمل سوى الازدراء بكل قيم المدنية و ضوابطها، قال "حكيم" و بهدوء تام:- ححيح لكنها مدة كانت كافية ليتسرب فيها الحزن إلى قلبي و تتكشف أمام ناظري حقائق مفجعة من التخلف الحضاري و رفض النظام و أساليبه المدنية الجميلة.لم يتمالك "متهور" الذي أحس بصدق ما قيل و بانطباقه عليه بالحرف الواحد:- كلام كبير .. عن أي حقائق مفجعة تتحدث؟ هيا اخبرني!.. ثم يقهقه ملء فيه.و قبل أن يسمع الرد على سؤاله يقوم مرة أخرى و في سرعة جنونية بخرق إشارة أخرى حمراء و يكاد يصطدم بسيارة كانت لها الأسبقية ثم يلف مسرعا و بإدارة خرقاء للمقود عن عابر سبيل في منتصف الشريط الأسود الذي أراد له نظام سير المرور المحكم أن يجعله آمنا لحركة ذوي الألباب من خلال أعمدته الذكية بإشاراتها الضوئية المحكمة التوجيه في الحيزين الزمني و المكاني.و لما أن نجا ببدنه و صديقه و سيارته و بروح و بدن عابر السبيل، ضحك كالأبله الغافل و المغرور السافل ثم قال :- كيف وجدت قيادتي.. ألست بارعا؟ ألم تر كيف انتزعت الأسبقية و كيف أخفت ذاك المار؟و لما لم يتلق جوابا من "حكيم" ركن سيارته فجأة حتى احترقت العجلات من شدة فرملتها على صفحة الرصيف المسفلتة ثم التفت و وجهه المدور يستشيط غيظا و صرخ:- ماذا جرى لك منذ ركبت بجزاري من المطار و أنت صامت كالصنم و لا ترد على أسئلتي.من دون تشنج و لكن بحزم و حكمة رد "حكيم":- لقد قمت للتو بعمل خطير و غير مسؤول كدت تفقدنا أرواحنا و أرواح غيرنا .. و من تلقاء نفسك بررت ذاك التهور بأنه حرفية عالية في القيادة.. أما أنا فأسألك.. أين كنت تضع أرواح الجميع حينما أقدمت على تلك الفعلة الشنيعة؟و قبل أن يهم الشاب المتهور بالرد نزل "حكيم" من السيارة و توجه إلى الصندوق الخلفي ففتحه و أخرج منه شنطة سفره و سار إلى أعلى حافة الرصيد ينتظر أن تمر سيارة أجرة تقله.رمقه "متوهر" و قال:- كيف تغيرت إلى هذا الحد في فترة أقل من أسبوعين خارج البلد و كيف جئت بكلام جديد عن السلوك المدني؟ سبحان مبدل الأحوال!- بلى و لقد تغيرت نظرتي جذريا إلى الأمور و تحولت من مسار الفوضى التي تتحكم في تصرفاتنا و تقف حجر عثرة أمام التحول الإيجابي الذي ننشده للخروج عن سكة التخلف إلى آفاق المدنية الرحبة التي تحمل كل تباشير التوازن النفسي و تعين على الخروج من صومعة الذاتية الضيقة و الانحسارية الاجتماعية المنتمية قلبا و قالبا إلى زمن ولى... و لك الله يا صديقي المتهور.. يا من تهدد أرواح مواطنيك و تضحك و يا من تخرخ متعمدا على نظام بلدك و تتهكم إلا أنك ورثت نرجسية البراري المفتوحة في البلاد على كل تهور الصعلكة قد يخطر لك على بال دون رقيب أو محاسب اللهم.. ما يقع عليك من نفس التصرف و السلوك يأتي به غيرك.