سمراء ... قصة قصيرة

أحد, 2014-12-07 23:30

سمراء*

الأستاذ : محمد عمر ولد أباه الشيخ سيدى

 

ونوديت من شمال غرب البقعة المباركة ، حيث ظل الوكر أبيا على مسار الحقب، ،وهناك عاشت جؤذرا ،  نقية السريرة  تماما كالثلج ، ناصعة الشرف كرمال الصحراء ، ...  وأحتضنها أهلوها بفخر واعتزاز،

...و أحست حملا ثقيلا يداعب أحشاءها ، فاتخذت  من دون أهلها وردا رتلته  ـ غدوا وآصالا ـ سفرا لأحلام البشر ... ، و ما إن خرجت إلى خلوتها حتى تمثل لها الطهر بشرا سويا ،

 قالت من أنت ؟

قال: ... جئت لألهمك أن الحمل سيكون أسمر كلون العسل ، وديعا كنسائم الصباح ، هادئا مثل صفحة النهر ،... لا تخافي عليه صولة هابيل وذريته !

... وجاءها المخاض إلى جذع الرباط ، وهزت المنارة فخرج النور من حضها فإذا هي قد وضعت حملها بنين أربعة ، لكل منهم لسان  ؛ ورددوا  شكرا  أماه ...،

جميعهم سَرَاةٌ على مقاس الصحراء ، ذكاء ،إباء ،  شجاعة ، ووفاء..

قالت : هذا تأويل رؤياي ،قد جعله ربي حقا ، ...وقد  يحسن بي  حين يصبحون رجالا جوابين لأصقاع الأرض، حراثين بذورا تنبت كل حين  سبع سنابل ،من رأسها  يأكل البشر ،  ومنها تذر الرياح  فتاتا يعم أرجاء المعمورة ....

... و وضعتهم ذكورا ... ؛

قالت : إني سميتهم رجالا ...؛

تكلموا من المهد  قالوا: نريدك  أماه  فتاة  الصحراء : طهرا ، سمتا ، خلقا  ،تدللا وحياء ،

 نريدك  أحلاما تعانق الشمس علوا وضياء.. !

... حتى طموحاتُك - أماه - يلزم أن تشي بأنك أم الرجال  ، حتى قوامك الممشوق وجيدك الطويل وملامحك الوردية  يلزم أن تحمل طموحاتنا (نحن  بنوك الأمناء)؛

... وسميتنا الرجال وسميناك ( سمراء .. )؛

... و في عالم مسكون بالهدوء و عبق البشام ، ربت سمراء بنيها ، فضمختهم بعطر المجد الذي مارضيت  غيره لهم  عطرا ، ومن ثراها احتسوا معاني الكرم والشجاعة والإباء  ...

ومن لبان الجدات رضعت  سمراء وصايا عشر، ومنهن تعلمت حُسن رضاعة الأبناء ،

... ورَصعت هامتَها بحنان الأمومة ،  فبدت  بدرا يَشق  حجب الفضاء، ثم أهدت نورَها  ساطعا للكون   جنوبا  وشرقا،

... و أحسنت التدلل كما كان أبناؤها يحسنون وفادة الضيفان ، ومن سحر الصحراء ومياه النهر  شربت كؤوس الأنوثة مترعة بالعفاف والطهر ..،فتحولت ورقاء  يمزق سجعها  رتابة  الجو المسجى بوحشة المكان  ...

... و من أعلى المنارة  هبط  نور بنيها الأغر ، فامتد رباطا  ساحبا الطنب الجنوبي  إلى حيث مضارب أبناء العم ...، ثم تحول هدى  فاتبعوه إلا قليل منهم  رضوا بالمقام في دفء  السامري  واطمأنت نفوسهم لخوار عجله  ...

ثم ازداد  النور ألقا ، فتربع ظهر (سمراء ) لا يفارق شعاعه  وجهها حتى حين ، وطفق بنوها يجوبون البقاع على ظهور العيس  سقيا للظامئين  من ينبوعها الغدق ؛

.. وأشرقت  بفكر الأربعة...، ففاضت  شعرا وبيانا وسحرا وحكمة ،  وأخذت تنثر العطاء يمنة و قداما ؛

 وتسابق اليها الرجال و بأيمانهم  الطارف  والتليد طالبين أياديها ، راجين حكمة بنيها ،

قالت  : إني اعيذهم بالله من الشيطان ، أتريدون الذي هو خير...؟

قالوا :  أجل  ، بعضا من علم وشيئا من التقوى ، ذلك هو ما  نبغي ...

قالت : إذن هي سمات بَني الذين أنجبهم  نجم من  الشرق  سقط في حضن عذراء من  الجنوب  أطهر و أنقى من ماء المطر ...

قالوا : أ أنت  أمهم ؟

قالت : هم أبنائي يفاخرون بي ، وبهم أفاخر  ...

قالوا : أأنت  من زنج النهر   أو من شنشنة (كدية الجل) ؟

قالت : منهما معا  ،

قالوا : هل تقبلينا ضيفانا على  بنيك ، فعلى خَوَانك نطعم مما يطعمون ؟

قالت : شرط أن لا تخافوا نوار الشرق ونسيم ( الكوري )  ،و أن لا تحسبوا بداوة الصحراء صنوا لهمجية (الحضارة)...!

قالوا : نحن على شرطيك ،فهل من نوال ؟

قال الأربعة : أهلا بكم فانتم اليوم في ضيافة سمراء ، حطوا رحالكم ، نحن مصممون من تحت  أطناب خيمة الشعَر على  انتشالكم من براثن الاغتراب ... ،

... ومن معين سمراء نهلوا  وعلوا ، ومنها تعلموا خصال المجد، ثم قرروا الرجوع إلى أبيهم ،

قالت :اجعلوا بعضا من  بضاعتي في رحالهم  علهم يذكرون جميلي حين يعودون الى أهلهم ؛

 ... وقال أبوهم: إني لأجد في قمصانكم  ريح سمراء...

قالوا: بلى ، و وجدناها نجمة  اتخذت عرشها بين الفرقدين ...،... وترحل  جنوبا وشرقا  كما كان أبوها يرحل ،

قال أبوهم : إذن هي حيدره ....؟

قالوا : و( ابرم خمخم ...)

قال : وبنوها أقمار يهتدى بهم  ؟

قالوا :  يا أبانا كأنك تعرفها تماما كما عرفناها ...؟

قال :  هي سمراء أم الرجال ...!.. هي سمراء أم الأمناء...!، وجدت ذكرها عند جدودي وبزيارتها أوصوا ،وعنها قالوا :

       "وأتى عليها حين من الدهر كان بنوها شيئا مذكورا ...، ثم أنشئت إنشاء ، وبدأ تاريخ  أرض الرجال ، وتحرك المكان ، فجاراه  الزمان في حركة رسمت خطوات اللحظة الأولى من الزمن بملامح المجد ، ... وإذ ذاك قُتل هابيل في أرض طامسة الأعلام لينعم البشر جميعه بمعين سمراء" ؛

طأطئوا رءوسكم يا أبنائي إجلالا لسمراء وبنيها ، وتغنوا بأمجادها، يكن ذلك لكم حلية من وقار وحرزا من عار..؛

قالوا :  يا أبانا سمعا وطاعه ... سمعا يا جدودنا وطاعه .

*قصة قصيرة فازت في المهرجان السابع لاتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين 2011