القدس العربي : الاتفاق  النووي… زلزال استراتيجي في الشرق الأوسط

جمعة, 2015-04-03 23:49

قليلون  يمكن ان يجادلوا في أن اتفاق الاطار الذي توصلت اليه ايران بشأن برنامجها النووي مع مجموعة خمسة زائد واحد، في لوزان امس الاول، بشأن البرنامج النووي يمثل حدثا تاريخيا، وزلزالا استراتيجيا ضرب اقليما يعاني بالفعل من «عواصف» سياسية وامنية وعسكرية عاتية.

وقليلون ايضا يمكن ان يزعموا انهم قادرون على توقع كافة النتائج التي سيفضي اليها ذلك الزلزال الذي يعيد تعريف موازين القوى في منطقة بالغة الحيوية والحساسية تمثل الساحة الأهم لصراعات ومصالح قوى عظمى.

وتبدو احتفالات الايرانيين بالاتفاق مستحقة ومفهومة. فقد اصبح بلدهم قوة نووية معترفا بها دوليا، ليس فقط لأنه يعني رفع العقوبات الاقتصادية عنهم خلال شهور، ولكن ايضا انهاء عزلتهم الدولية، وما سببته من معاناة انسانية واجتماعية. ولاعجب ان يلتقط بعض الايرانيين صور «سيلفي» باجهزة الهاتف مع شاشات التلفاز الايراني فيما تبث خطاب الرئيس الامريكي باراك اوباما على الهواء مباشرة، وهو ما لم يحدث منذ عقود. المفارقة ان ايران تبدو مدينة بكثير من الشكر الى الولايات المتحدة. كيف لا وقد صبت الأحداث نتيجة الاخطاء الكارثية التي ارتكبها الرئيس السابق جورج دبليو بوش اقليميا في مصلحتها، ثم جاء الانجاز الوحيد لاوباما في السياسة الخارجية ليكرس مكانة اكتسبتها عن جدارة، وايضا عن تقصير وتخاذل وتمزق من الجانب العربي.

ولايمكن لاحد تجاهل المعنى الرمزي للصورة الختامية التي جمعت وزير خارجية ايران محمد جواد ظريف في لوزان مع وزراء خارجية الدول الخمس دائمة العضوية والمانيا. لقد دخلت طهران نادي الكبار، وتركت بعض العرب وخاصة في الخليج الذين يشعرون بأنهم تلقوا طعنة في الظهر من الولايات المتحدة، يضربون اخماسا في اسداس.

نعم لقد اصبح العرب يواجهون خيارات كلها صعبة، وهم يدركون ان رفع العقوبات عن طهران لايمكن الا ان يقوي «وكلاءها» في المنطقة، ليتكرس حتما الاستقطاب الطائفي الاقليمي، وما يعنيه ذلك من اندفاع جماعي نحو الهاوية. فهل يعمد العرب الى تحقيق توازن استراتيجي اقليمي عبر السعي الى برنامج نووي مماثل للايراني؟ وهل تسمح لهم اسرائيل او حتى «حليفتهم» الولايات المتحدة بذلك؟ أم يوسعون مواجهتهم للنفوذ الايراني الذي من المتوقع ان تزداد شراسته بعد ان تتفرغ طهران لحصد ثمار اتفاقها التاريخي؟ ولكن هل العرب مستعدون حقا لشن «عواصف حزم» على جبهات اخرى، وبالتالي المخاطرة بالدخول في حرب غير مباشرة مع ايران، خاصة وهم يعرفون ان الولايات المتحدة لن تكون متحمسة او مستعدة للتورط في مستنقع الشرق الاوسط مجددا؟

أما في اسرائيل، وللمفارقة ايضا، فقد أحدث الاتفاق شعورا عميقا بالصدمة والهزيمة، ودفع الشارع الى مزيد من التطرف، فيما توحدت عناوين الصحف امس وراء نتنياهو، وان حمله بعض المعلقين المسؤولية عن هذا الاتفاق «السيئ» من وجهة نظرهم. اذ ان دخوله في ازمة مع اوباما حرمه من امكانية التأثير في السياسة الامريكية تجاه ايران، وبالتالي من التأثير في الاتفاق نفسه. 

الا ان الصراع لم ينته بالنسبة الى نتنياهو وحلفائه في الكونغرس الذين يسعون الى «قتل الاتفاق»، عبر تمرير قانون يمنع اوباما من عقد اي اتفاق مع ايران بدون موافقة الكونغرس. بل ان بعض الاعضاء قدموا مشروعي قانونين بفرض عقوبات جديدة على ايران. لكن وزير الخارجية الامريكي جون كيري يصر على ان هذا لن يحدث، ويستنكر ان تتغلب ألاعيب السياسة على حقائق العلم التي استند اليها الاتفاق والتي تمنع ايران من امتلاك قنبلة نووية.

اما بالنسبة الى «ايران النووية» نفسها، فمن السهل ان تنجرف وراء غرور القوة، ومن السهل ان تعمل على تعميق اختراقاتها الاقليمية، بل وتهديد مستقبل بعض الانظمة العربية. الا انه سيكون عليها في النهاية ان تقرر اذا كانت مصلحتها تكمن حقا في ان تنشر الفوضى في محيطها، وان تخسر عمقها الاسلامي والاقليمي، حتى وان نجحت في كسرعزلتها الدولية؟ 

الواقع ان ما يجب ان يعنيه هذا الاتفاق بالنسبة الى الايرانيين وبعض العرب في آن، هو حتمية البحث في إن كانت المواجهة الطائفية بينهما «مصيرا محتوما»، أم ان نجاح الحوار مع «الشيطان الأكبر» الذي لم تتحدث معه طهران لنحو خمسة وثلاثين عاما ادعى الى السعي لاعطاء فرصة جديدة للدبلوماسية التي بدت المنتصر الأكبر في لوزان.