موريتانيا : الحلم المهدد ...

اثنين, 2014-12-01 14:19

موريتانيا : الحلم المهدد...

محمدن ولد حبيب الله

كان حلم إنشاء هذه الدولة يراود الآباء المؤسسين ، وكان تحقيقه يعتبر ضربا من المستحيل ، فهذه البقعة من العالم لم تعرف قيام حكم مركزي قط فهل من سبيل إلى أن تعرفه عوض ؟

كان هذا التساؤل يشغل بال أولئك المؤسسين من أمثال أب الأمة المرحوم المختار بن داداه وأترابه ،ولم يغب عن أذهانهم أن بعض الدول المجاورة لنا كان لها أطماع فى هذا الوطن وتسعى إلى اقتطاع الأجزاء المحاذية لها منه،  كما أنها هي الدولة الوحيدة التي لم يترك بها المستعمر بنى تحتية يمكن البناء عليها ، وعلى الرغم من كل ذلك فقد تحقق ذلك الحلم وبذلنا فى سبيل تحقيقه غزير الدماء وعزيز الأنفس ،.......

واليوم وبمناسبة الذكرى 54 لعيد الاستقلال الوطنى ، يتحتم علينا جميعا أن نحافظ على كيان هذه الدولة ،وأن نقف سدا منيعا ضد كل من تسول له نفسه المساس بها ،ونحن هنا لا ندعى أن هذه الدولة قد حققت آمال الموريتانيين ،كما أنها لم تنجح فى معالجة آلامهم ،ونحن مهما اختلفنا فى الآراء والتوجهات يحب أن لا نختلف حول موريتانيا نفسها ، فهي ليست ملكا لنظام معين ، ولا لأي مكون من مكوناتها ،إن هذه الخيمة التي درجنا على أرضها الطيبة ،وتنفسنا هواءها العليل تستحق علينا أن نسلمها آمنة مطمئنة لأبنائنا كما تسلمناها نحن كذلك ، كي يحققوا ما عجزنا نحن عن تحقيقه .. إن أولئك الذين يتولون الأمور فى البلد يتحملون مسؤولية عظمى وسيحاسبهم التاريخ قبل أن يحاسبهم الله تعالى على تفريطهم فى هذه الأمانة ، فلا يجوز ولا يعقل أن نتنازل قيد أنملة عن ما من شأنه المس بوحدة الدولة أرضا وشعبا ، ونحن إذ نستبشر خيرا بما قاله رئيس الدولة فى خطاب الاستقلال  بهذا الصدد ،فإننا نعتقد أنه لا بد من الخطوات التالية :

 1ــ تفعيل وكالة التضامن التي تهدف إلى معالجة مخلفات الرق بحيث يلمس المستهدفون فائدتها ، وأن يكون من أهدافها محاربة الرق نفسه ـ إن كان موجودا ـ والتشهير بكل من يمارسه وتقديمه للعدالة وتطبيقها عليه بدون رحمة ولا شفقة ، ويجب أن تجند الدولة كل طاقاتها وقدراتها لهذا الغرض ، وتحقيق العدالة بين الشعب ورفع الظلم عن المظلومين وذلك بتوزيع عادل للثروات فيستفيد منها كل مواطن وينعكس إيجابا على حياته اليومية ، والضرب بيد من حديد على أولئك الذين ينهبون ثروات هذا الشعب فيبذرونها أو يودعونها فى مصارف فى الخارج ، إن محاربة الفساد ينبغي أن لا تكون شعارا ـ مجرد شعار لدغدغة مشاعر الجماهير ، أو سلاحا نستخدمه ضد المناوئين أو المعارضين فنجرهم به إلى غياهب السجون دون حق شرعي ، بل يجب أن تكون محاربة الفساد ركنا أساسيا من أركان الحكم ، وديدنا نسير عليه ويتعود عليه الناس فمن غير المعقول ولا من المقبول أن يتحول أي  وزير إلى "ملياردير" بين عشية وضحاها فمن حق الشعب والدولة أن يحاكماه متسائلين : من أين لك هذا ؟

2 ــ عدم التساهل مع أي دعوة عنصرية أو عرقية أو فئوية كما تنص على ذلك المادة (1) من الدستور ، و كل حركة تشكل تهديدا حقيقيا للسلم الأهلي ، إن ما شهدته بلادنا مؤخرا من دعوة للعنف والكراهية امتطاءا لحرية التعبير المتاحة فى وسائل الإعلام الحرة ، وتجاوزا لكل الخطوط الحمر حتى أصبح كل من هب ودب يهم بإيذاء هذا الوطن :

لقد هزلت حتى بدا من هزالها     كلاها وحتى سامها كل مفلس

كل ذلك ، يستدعى من كل غيور على وطنه أن يهب للدفاع عن لحمة هذا الشعب .  

3 ــ يعتبر إصلاح التعليم وولوج الجميع إليه من أهم الخطوات التي ينبغي القيام بها باعتبار الجهل ثالث أثافى التخلف ، ولا أعتقد أن تخصيص سنة للتعليم ستصلحه بعد أن عجزت عشر سنوات عن ذلك أو ما عرف إذ ذاك  بعشرية التعليم ، إن إصلاح التعليم لا تنقصه إلا الإرادة الصادقة ، فلماذا لم تطبق حتى الآن توصيات منتديات التعليم لاسيما ما يتعلق منها باللغة العربية؟  إننا بحاجة إلى دولة مؤسسات تضع خططا قريبة وبعيدة ومتوسطة المدى للنهوض بهذا القطاع ، لا أن يترك الحبل على الغارب لأي وزير تولى تسيير هذه الوزارة فتنطبع بطابعه الخاص ( والخاص جدا ) أحيانا ، فكم من هيكلة قد أنجزت لهذه الوزارة ؟ وكم من واجهة لها علقت ثم تم تغييرها بعد ذلك بفترة وجيزة ؟ وكم من رأسية تم بسببها إتلاف الكثير من الأوراق والشكليات لأنها صارت بجرة قلم اسم بلا مسمى ....إنه تخبط فاضح إنها ارتجالية حمقاء ، تصور معي كم سيكلف خزينة الدولة وكم فيه من هدر للطاقات ، ؟

وفى الأخير أعتقد مسؤولية الحفاظ على هذه الدولة مسؤولية جسيمة يتحملها الجميع مثل ما أن الجميع ـ لا قدر الله ـ سيدفع ثمن عدم استقرارها ، لذلك اعتبر أن تكريس القانون وقوة القانون هو صمام الأمان ويجب أن لا نترك الأعداء الذين يتربصون بنا الدوائر يجروننا إلى قانون القوة والعنف وذلك مالا تحمد عقباه .