من كتاب : جالب السرور في نظام الدستور

أربعاء, 2017-03-29 09:54

استشارة المجلس الدستوري..

 

من كتاب " جالب السرور في نظم الدستور" للأستاذ محمد فال بن عبد اللطيف ٬ طباعة و نشر المركز الموريتاني لترقية الثقافة و الديمقراطية و التنمية المحلية 2015:

 المادة 86:

1ـ وقبل إصدار القوانين النظا == مـــيـة تعـرض عليه يقظا

ينظر هل تطابق الدستـــــورا== ثمة يعطي رأيه المشهورا

كذا نظام الغرفتين الداخلـــي == قـبـل نزولـه إلـى المحافل

2ـ وللرئيس ورئيس النواب == وسيد الشيوخ في هذا الباب

وثلث إحدى الغرفتين طلبه == نظــــــر قانون عليه معتبه  

3ـ وواجب عليه أن يبتــــــا == خــــــلال شهر في الذي يستفتى

وجاز أن تختصر المدة تي == في حالة استكثار تلك المدة

إلى الثمانية مِ الأيــــــــــام == بطلب مـــــن الرئيس سام 

4ـ والرفع للمجلس في المضمار== معلق لأمد الإصدار

 المادة 87:

1ـ لا يصدر الحكم ولا ينفذ == ما دام للمجلس فيه مأخذ

من كونه يخالف الدستورا == ولو قضى في ذلك الدهورا

2ـ وما به يجيء من مقرر== بسلطة المقضى به كان حري

3ـ هذا ولا يطعن في قـــــــــراره == ويصطلي الجميع فوق ناره

أعني من السلْطات كل من مضى == إدارة تكــون أو كانت قضا

و كنت قد كتبتُ لذلك الكتاب مقدمة أورِدُها فيما يلي:

جلب إلي السرورَ أن شرّفني أستاذنا محمد فال بن عبد اللطيف بطلبه إياي كتابة مقدمة لكتابه الجديد «جالب السرور في نظم الدستور»، فأسرعت إلى تلبية طلبه لما جبل في نفسي من شغف بكل ما يكتبه مهما كان الموضوع الذي يكتب فيه.

ومن حسن حظي في هذه المرة أنه يتناول موضوعا ذا صلة وثيقة بتخصصي كإداري وبطبيعة عملي في مجال الانتخابات التي تدخل بجدارة في صميم القانون العام.

أجبته وأنا أتوسم فيه ما يُتوسم في أي مادة قانونية صرفة مقننة من الجفاف والرتابة والفتور. ولكنني فوجئت بأنني كنت كلما تقدمت أمدا في مراحل الطباعة والتصحيح ازددت إلى الموضوع تشوقا تشدني إليه متعة خفية وروح خفيفة غير الروح القانونية المعهودة في مثل هذه الموضوعات.

صادفت فيه من حيث لم أكن أتوقع نفحات من القرآن ولمسات من فنون شتى كالفقه والنحو واللغة وشذرات من الحكم والأمثال مبثوثة بين ثناياه، ينتظمها سلك واحد هو الأدب الرفيع ومتعلقاته.

 و أبادر فأعترف بأنني ما اكتشفت من هذه الجواهر النفيسة إلا بقدر ما وسعته ثقافتي القاصرة وإدراكي الضيق وقدرتي المحدودة على الخوض في لجج بحر معرفة صاحبها العميق.

ويبقى وراء ما وعيت درجات أبعد غورا وأكثر إمتاعا تكتشف لا محالة تبعا لتفاوت مستويات القراء في الثقافة وربما في استيعاب القانون.

تلك إذن هي الميزة البارزة التي تطبع كتابة محمد فال بن عبد اللطيف مهما كان الموضوع الذي يتناوله. فهو يتمتع بثقافة موسوعية تزاوج بين العلوم الشرعية والفنون المعاصرة صهرت شخصيته بحيث أصبحت ترشح عفويا بل تطفح مع كل نقطة مداد تسيل من قلمه الطيع الفياض.

وفي هذا الموضوع المتعلق بالدستور بالذات تتعانق ميزتان بارزتان من بين الميزات الأساسية المكونة لشخصية المؤلف هما ميزة الشاعر المطبوع وميزة القانوني المتمرِّس، وقد حاول المؤلف جهده بأن يكافئ بينهما فيوفي كلا منهما حقه، فوفق في ذلك المسعى إلى أبعد الحدود. فما جنَّح به خياله الشعري المحلِّق، ولا جمَح به اختصاصه القانوني الواسع عن الإلتزام المسؤول بما يتطلبه المقام من تعبير دقيق وتصوير جميل يضمن استجلاء تلك القواعد القانونية العامة المتضمنة في الدستور. و قد أضفى الكاتب على عمله هذا من روحه الخفيفة المرِحةِ ما خلَّصه به من شوائب الجفاف المعهود في القانون و الرتابة المعتادة في النظم.

وبخصوص اختيار الموضوع أصلا أقول، إن دافع المؤلف إليه هو طبعه المحظري الأصيل التواق إلى ضبط المعارف وحصرها في مفاهيم محددة واضحة تتخير من الألفاظ بقدر ما يؤدى به المعنى المراد. فهو طالب محظري سابق وأستاذ محظري في الحاضر، وهي وظيفة ملازمة له ورثها من الآباء والأجداد لا يزال يبذلها في منزله للأقارب والأباعد وما له فيها ــ عكس غيرها من الوظائف ــ أي مجال للإحالة على التقاعد!

و في منهجنا المحظري درج الأساتذة والطلاب على نظم ما استعصى من المتون والمواضيع الضرورية لتقريب فهمها إلى الأذهان، وتسهيل حفظها على الناس. وللقيود الخليلية كما هو معلوم دور حاسم في تقييد المعلومات والأفكار وتثبيتها في الحافظة و حفرها في الذاكرة .

وأي فن يا تُرى أبعد منالا وأكثر ضرورة للمواطن في عالمنا المعاصر من القانون؟

المهم أن المؤلف سبق له أن نظم كذلك القانون العقاري الموريتاني الصادر في 5 يونيو 1983. ولكنه في كلا النظمين لم يكن بدعا في ذلك المنحى بل هو فيه تابع لقدوتنا وأستاذنا المرحوم محمد سالم بن عدود الذي كان سباقا إلى ذلك الصنف من التأليف حينما أقدم ولمَّا يزل على مقاعد الدراسة في الستينات، على نظم كتاب مشهور لأستاذه د. سليمان الطماوي في مبادئ القانون الدستوري والإدارة العامة. وقد لقي ذلك النظم قبولا واسعا ورواجا عريضا في الأوساط الطلابية في مصر والمشرق العربي آنذاك ونشر في مجلة مختصة بعناية إحدى أكبر الجامعات المصرية لعلها جامعة عين شمس.

هذا ولي مع هذا النظم الأخير ومؤلفه قصة أرويها في هذا السياق المتصل.

ذلك أنني شغلت في المدرسة الوطنية للإدارة في الفترة 1985-1990 وظيفة ما يسمونه من باب التجوُّز أستاذا باحثا مسؤولا عن قطاع البحث الإداري بالمؤسسة، فأسندت إلي بموجب ذلك رئاسة تحرير مجلتها المختصة «الإداري». وفي هذا الإطار ظفرت مرة عن طريق الصدفة على نسخة قديمة من المجلة المصرية المتضمنة لنظم الأستاذ محمد سالم ولد عدود آنف الذكر. وبتشجيع من مدير المدرسة آنذاك المرحوم الشيخ محمد سالم بن بوكه ( وزير العدل فيما بعد) هممنا بنشر النظم الذي كان للمدير سابق اطلاع عليه وإعجاب به من خلال التدريس إذ كثيرا ما كانت الاستشهادات به ترد على ألسنة بعض الطلاب وخاصة منهم الطالب والوزير لاحقا المختار بن حي. ولكن لمرابط محمد سالم رحمه الله كان يشترط في نشر نظمه ذاك إرفاقه بشرح له (أو حاشية) وضعها عليه القاضي المرحوم هارون بن الشيخ سيديا وهي حاشية يعتز بها الأستاذ كثيرا كما يعتز بصاحبها صديقه الحميم ورفيقه في عهد الدراسة وفي سلك التوظيف.

وما كانت وسائلنا الفنية ولا طبيعة منشورنا تسمح لنا بأن نُصدر أكثر من النص ولذلك حاولنا أن أن نحصل على الإذن بنشر النص منفردا فتعثر علينا ذلك.

ونظرا لمعرفتي السابقة بالأستاذ، كتبت إليه بالتمالؤ مع السيد المدير رسالة إدارية رسمية شفعتها بالأبيات التالية: 

أيا من لمعوج الشريعة قد أسوا == وما الذهب الإبريز والتبر خالصا

فيا حبذا نشرُ «الإداريِّ» نظمَكمْ == مُلِينًا بنور الفهم ما قد قسا قسوا

كمثل رديٍّ في النقود قسا قسوا == عليكمْ إذا في نشرها نصَّهُ « يَسْوَا»

أخذ بريدنا الرسمي جدا طريقه المعهود إلى معالي الوزير عبر سلم إداري مشبوه، إذ يكتب فيه على غير العادة رئيس مصلحة على أحسن تقدير، في مؤسسة عمومية جدا، تابعة لوصاية خاصة، في قطاع متميز، ويتعلق الموضوع بأمر شخصي لا عمومي!

لم يكن في تلك المراسلة من أمر طبيعي سوى مسألتين، أولاهما اتخاذ الشعر وسيلة للطلب وتذليل العقبات وثانيهما سير البريد آنذاك بانسياب طبيعي دونما حاجة لأي متابعة أو تكاليف مادية أو معنوية!

وصل البريد وجهته بالسرعة التي تلقينا بها ردا رسميا هو الآخر بالموافقة، كتبه هذه المرة و وقعه باسم معالي الوزير، الأمين العام للوزارة آنذاك أخونا الأكبر السيد بَبَّهَا بن أَحمدْ يوره.

وهكذا نشر النصان منفصلين عن الحاشية وتلقف الطلاب بنهم شديد ذلك العدد الممتاز الذي سرعان ما نفد ما صدر منه وما هو بالعدد الكثير، وما أعيدت طباعته كما هو مفروض. فيا ليتني ظفرت اليوم بذينك النصين وبالحاشيتين لأصدرهما متصلين لا منفصلين تحقيقا لتلك الرغبة الجامحة للأستاذ المرحوم والتي ما تنازل عنها يومذاك إلا تحت وطأة الإحراج الأدبي.

وجمعني بعد ذلك في منتصف الثمانينات في عيادة « شلّا» بالرباط مجلس طيب بالاستاذ محمد سالم رحمه الله عرض عليه فيه الأستاذ والنقابي المعروف المرحوم عبدو بن أحمد وهو إذ ذاك طالب يكمل دراسته في المدرسة الإدارية المغربية، بداية نظم يزمعه لكتاب مماثل لأستاذ مصري آخر اسمه د. مأمون الكُزبَري. إذ ما فتئ هذا الأستاذ يبحث من بين تلاميذه الطلاب الموريتانيين في المغرب عن من ينظم له هو الآخر كتابه في القانون الإداري على غرار ما فعل ذلك الطالب الموريتاني المتميز في بداية الستينات لكتاب أستاذه الفذ د. سليمان الطماوي. وهكذا كان الأستاذ المرحوم عبدو بن أحمد هو ضالته المنشودة. ولست أدري هل اكتمل المشروع أم توقف.

وفي النهاية أقول إن هذا النظم المنعقد في الدستور الموريتاني جدير بالعناية والاهتمام. إذ لا يراودني أدنى شك في أنه نظرا لدقة سبكه وسلاسة أسلوبه السهل الممتنع، سيمثل للدارسين وعموم المهتمين جوازا سهلا يعبرون بواسطته بعفوية وانسياب إلى فضاء قانوني أرحب، تكون فيه القواعد الدستورية العامة أيسر للحفظ وأقرب للفهم. فلا يعذر أحد بعدم اقتنائه ومطالعته، كما لا يعذر أحد بجهل القانون.قال الناظم في ضبط المادة 17 من الدستور:

الجهل بالقانون ليس يُعْذَرُ == به فجهل الحكم أمر يُحْظَرُ

والله ولي التوفيق.

و أثناء متابعتي للطلب الموجه إلى لمرابط محمد سالم رحمه الله رحمة واسعة٬ ربما آويتُ إلى قاعة انتظاره بالديوان الوزاري فأجد بها من ذوي الحاجات صنوفا فأوحى إليَّ ذلك بالقول:

يَؤُم الشيخَ في الديوان قومٌ == تباين قصدُهمْ عند الورودِ

فبعضٌ للتزوُّد من علوم == تُلقَّى ما لديها من حدود

و بعضٌ للتزود منه تقوًى == و بعض للتزوُّد بالوَقودِ! 

رحم الله السلف و بارك في الخلَف.

 

 

من صفحة الموسوعة : محمدن ولد سيد الملقب بدن