القدس العربي :حول استخدام «الكردستاني» للعمليات الانتحارية

أحد, 2015-08-02 23:12

 صحيفة القدس العربي رأت أن تطويب العمليات الانتحارية، عبر السنوات، كان باسم بعض تيارات السلفية الإسلامية المتطرفة، كتنظيم «القاعدة» وفروعه المحلية، وحالياً باسم تنظيم «الدولة الإسلامية» والجماعات التي بايعت «خليفتها» البغدادي في أكثر من قارّة.

غير أن استخدام حزب العمال الكردستاني التركي أمس الأحد لهجوم انتحاري على مخفر للدرك شرقي تركيا أسفر عن مقتل جنديين إشارة كبيرة إلى انتقال هذا النمط من العمليات من البيئة «الإسلامية الجهادية» (كما تسمى في وسائل الإعلام) إلى حزب يتأطر بإطار «الماركسية اللينينية»، وهو مجال سياسي يزعم اختلافه عن البيئة الجهادية، ويتهمها بأوصاف الرجعية والتخلف والوحشية.

تم الهجوم الانتحاري بواسطة جرار زراعي مفخخ بنحو طنين من المتفجرات استهدف مخفراً في ولاية إجدير القريبة من الحدود الإيرانية، وأدى لمقتل جنديين وإصابة 4 جنود آخرين و31 مدنياً، كما استخدم المهاجمون أحد تكتيكات «الجهاديين» فنصبوا كمينا قرب مكان التفجير لعرقلة وصول المساعدات، وما لبث حزب العمال ان تبنى الهجوم قائلا إن «عشرات الجنود قتلوا».

تسمي التيارات الجهادية منفذي عملياتها هذه بـ»الانغماسيين»، وتعتبر منفذيها شهداء حتى لو أدّت عملياتهم إلى مقتل مدنيين لا علاقة لهم بهدف العملية، ولها في ذلك تبريرات فقهية (تحت إطار ما يسمى «التترس»)، مستمدة من فتاوى قديمة تعود لأيام حروب المسلمين مع الروم (الصليبيين، كما يسمون في الغرب).

بدلا من ربطها بالعمليات الانتحارية للتيارات الجهادية المتطرفة يمكن للحزب الماركسي أن يزعم جذورا لعمليته في تواريخ نضال تيارات سياسية ماركسية وقومية ووطنية، كانت عملياتها الفدائية ضد الاحتلال الإسرائيلي، نتاج تطوّر النضال الوطني الفلسطيني واللبناني، وحاولت، في تلك الحقبة، من خلال تنفيذ فدائيات لهذه العمليات مثل سناء محيدلي (من الحزب القومي السوري الاجتماعي)، ودلال المغربي وآيات الأخرس (من حركة «فتح»)، ربط العمل الفدائي بالفاعلية التاريخية للمرأة وحرية جسدها وروحها.

يحاول حزب العمال الكردستاني، رغم آلته الأيديولوجية العتيقة، أن يعبّر عن نضال شعبه القومي وطموحه للحصول على دولة مستقلة، ورغم الفاعلية الكبيرة للعمليات الانتحارية، فإن آثارها السياسية والأخلاقية كبيرة على تمثيليته المفترضة للأكراد، فإضافة إلى أنها تصعيد نوعي للقتال ضد الجيش التركي، فإن الخسائر الكبيرة ضمن المدنيين، يعني خروجها من إطار النضال ودخولها في عالم الإرهاب، وهو ما قد يؤدي إلى ردود فعل عنيفة وتمزّق أكبر للنسيج الأهلي بين الأتراك والأكراد.

يمكن لأنصار الكردستاني اعتبار الهجوم الانتحاري تطويراً لتكتيكاتهم العسكرية، ولكنه، للأسف، في السياق التاريخي الراهن، يبدو «انغماسا» واستسلاما لجاذبية أساليب «الدولة الإسلامية» العسكرية المدمرة، وإذا تم تعميم هذه الواقعة على خلفية الصراع الدموي المحتدم في العراق وسوريا، فقد نشهد انتشاراً بكل الاتجاهات لهذا الأسلوب الهجومي المخيف، يتعدّى المنطقة العربية وينتقل إلى بقاع أخرى من العالم.

الانحدار الحرّ للمنطقة العربية، الذي ساهم فيه العرب، وساهمت فيه القوى الإقليمية والعالمية مساهمة كبيرة، يؤدي، كما نرى جميعا، إلى فيض هائل من النازحين الهاربين من جحيم الوضع نحو أوروبا، المشغولة بإقفال حدودها وإعلاء أسوارها، فيما يشبه رغبة خفيّة في ترك هذا العالم يهوي إلى الجحيم، وإنكار مسؤولية أوروبا الكبيرة عن كل ما يحصل.

ومثلما تحوّل الكلاشنيكوف من سلاح بأيدي أفراد وجيوش وحركات تقاوم الاستعمار والاحتلال إلى سلاح أيضا للإرهاب، فإن العمليات الانتحارية تتحوّل عملياً إلى ظاهرة عالمية لن تقتصر على الجهاديين المتطرفين، وستفيض، إذا استمر هذا الميل، كما حصل مع «الكردستاني»، إلى ايديولوجيات وجغرافيات جديدة، وستضرب حين لن يتوقع أحد.