القدس العربي : الاستفتاء سيغيّر تركيا… وربما العالم !

اثنين, 2017-04-17 09:57

خاض الأتراك أمس استفتاء ذا معان كبيرة ستغيّر كثيراً من شكل الجمهورية العلمانية التي ارتبط اسمها بمصطفى كمال أتاتورك قبل قرابة 95 عاماً والذي كان، عمليّاً، الرمز التاريخي والسياسي لتلك الجمهورية.

الاستفتاء، بهذا المعنى، هو اجتهاد إردوغان في تجاوز إرث سلفه الكبير، عبر استعادة رمزية للصلاحيات الواسعة التي ألقتها الأمة التركية عام 1921 على عاتق من كان آنذاك مفتش الجيوش العثمانية، والتي استخدمها، ذاك الوقت، لصدّ هجوم الجيش اليوناني الذي وصل إلى أنقرة، وهزيمة الفرنسيين في معركة قرب مدينة مرش، وطرد لاحقاً قوّات «التحالف» الانكليزية التي كانت تحتلّ الدردنيل وإسطنبول.

وفي حين تفرّق رؤساء حزبه الأصلي (تركيا الفتاة) الكبار بعد هزيمة تركيا في الحرب العالمية الأولى، وقُتل خصم أتاتورك، أنور، في تركستان (تحت مسمّى «القائد العام لجيوش الإسلام!») بمواجهة مع البلاشفة الروس في تركستان، فإن انتصارات مصطفى كمال على الأوروبيين غيّرت مسار تركيا من أيديولوجيا زملائه الطورانية، المتجهة جغرافيا نحو جذور الأتراك في وسط آسيا، إلى نظام سياسي أوروبي متطرّف في علمانيته مستندا في ذلك إلى انتصارات جيشه، فاتجه جغرافيا نحو الغرب متخففا من العلاقة مع آسيا التركية، والشرق الأوسط العربي (بإلغاء الخلافة الإسلامية واعتماد أبجدية لاتينية بدل الحرف العربي الخ…) ومنتمياً إلى أوروبا حضارة ونظماً.

يشكّل الاستفتاء، قمة نجاح الجمهورية الأتاتوركية وفشلها معاً، فقد أنجزت دورة تلك الجمهورية سيرورتها، في النهاية، إلى ترسيخ الحكم البرلماني، وهو ما أدى، للمفارقة، إلى تراجع نفوذ الأيديولوجيا الأتاتوركية، مما سمح لرمز تاريخي تركي جديد بالصعود، سلّمته، كما فعلت مع أتاتورك قبل قرابة قرن، مرة جديدة مقاليد الأمة التركية، ليعدّل بوصلة الجغرافيا والسياسة والتاريخ مرّة أخرى.

يستعيد التصعيد الكبير الذي حصل بين إردوغان والسلطات الأوروبية في ألمانيا وهولندا والنمسا، بشكل كبير، مناخ التهديد الكبير الذي كانت تعيشه تركيا بعد الحرب العالمية الأولى فتركيا تعاني حاليّاً من هجمات حزب العمال الكردستاني (الذي يجد المجال العام الغربي مفتوحاً لتظاهراته وتهديداته بقتل إردوغان فيما يمنع أنصار الرئيس التركي، وبينهم وزيرة من الاجتماع بجماهيرهم للتعبير عن دعمهم للتغيير الدستوري)، ومن عمليات تنظيم «الدولة الإسلامية» المزلزلة، ومن أعباء الأزمة السورية الخطيرة لجوءاً كبيراً ومخاطر أمنية وسياسية، وزاد الانقلاب العسكري الفاشل العام الماضي من إحساس فادح لدى إردوغان بوجود مؤامرة كبرى على تركيا وليس فقط على حزب «العدالة والتنمية» وهو ما تبدّى في تصريحاته الناريّة حول «نازية» أوروبا وكرهها للإسلام.

لا يمكننا أن نختلف في تشخيص التحدّيات الكبيرة التي تمثلها تركيا بالنسبة للقوى الكبرى في العالم الأمر الذي يجعلها نموذجاً يجب وضع حدود له قبل أن يصبح مركز الثقل في العالم الإسلامي، فتركيا تمثل القوة الاقتصادية رقم 17 في العالم والقوة رقم 15 عسكرياً، كما أنها تتمتع بموقع جيوبوليتيكي خطير يتوسط آسيا وأوروبا والشرق الأوسط، ولها موقع رمزي تاريخي لكونها كانت مركز الخلافة العثمانية، وكلّها أمور لا تنافسها فيها، حاليّاً، أي أمة إسلامية أخرى.

شاركت هذه المعطيات جميعها في تأطير التوجّه الذي يقوده رجب طيب إردوغان وحزبه، وهي تفسّر، أكثر من الحملات الانتخابية، الحماس الكبير الذي تعاملت به الأمة التركية مع هذا الخطّ الذي يصل الحاضر بالماضي.

يبقى السؤال إن كان هذا النظام السياسي الجديد الذي سيتولد عن الاستفتاء قادرا على الاستمرار في الإنجازات الاقتصادية الكبيرة التي حققها إردوغان وحزبه خلال 15 عاماً من استلامهم السلطة، وكذلك في مواجهة التحديات السياسية الهائلة التي تواجهها البلاد؟

أيّا كان الجواب فإن الاستفتاء التركي سيغيّر الديناميكيات الداخلية للبلد كما أنه سيترك آثاره الكبيرة على المحيط الجغرافي الكبير الذي يصل تركيا بأواسط آسيا والشرق الأوسط والعالم الإسلامي وأوروبا.

أي أن العالم بعد الاستفتاء لن يعود كما كان قبله.