نقض مسلمة أبى تمام . الدكتور : الشيخ ولد الزين ولد الامام *

اثنين, 2015-02-02 04:25

شرفنى صاحب  الفضيلة الولي محمذن ولد محمودن بالدعوة  مع هذه الكوكبة النادرة من العلماء  والأشياخ  والأدباء والشعراء وعلي رأسهم شيخنا العلامة حمدا ولد التاه حفظه الله وأطال عمره  فكلماته المباركة بركة المجلس وعنوانه  ونحن حاشية علي كلامه وتلاميذ في محرابه  ..  

 

أعلمني  الولي ابن الولي أن موضوع صالونه العامر بإذن الله  سيكون اليوم مذاكرة في منهج الولي الصالح والقطب الجامع الشيخ احمد بمب نفعنا الله ببركته . 

 

ثم طلب مني إذا حضرت أن شارك بما تجود به القريحة . 

 

واعتمادا علي حسن ظنه ورغبة في صالح دعوته و 

 

تلبية لرغبته استجبت لذلك وجلا من خواطر الأولياء التي يخاف منها كما يخاف من صولات السلاطين . 

 

ولما كان الارتجال قد يكون جميلا في بعض الأحيان إلا أن غيره قد يكون أجمل إذا كان المقصود هو الغوص في دلالات الحدث ومرامي اللقيا . 

 

وبما أن شخصية اليوم متعددة الأبعاد والجوانب والغوص في كل منحي من مناحيها لجة   وفضاء متسع  يغترف كل من زلاله فلا تكدره الدلاء ولا ينضب بالرغم من كثرة الرواد والمغترفين . . 

 

تأسيسا علي ذلك ونظرا إلي أهمية منهج الولي الصالح الشيخ أحمد بمب في نشر السلم والتسامح بين البشر وحاجة الناس الي ذلك اليوم أكثر من أي وقت مضي ,   فقد أردت أن تكون مساهمتي توضيح ذلك المنهج وتأصيله ووضعه في سياق منهج الرسل  والأنبياء والمصلحين  وبذلك يكون الشيخ أحمد بمب واسطة عقد الجواهر الإنسانية الرفيعة التي ظلت وستظل معالم الهداية من لدن آدم وحتى يرث الله الارض ومن عليها . 

 

 لقد قال يوما شاعر بني العباس بيتا  تناقلته الألسن وسارت به الركبان حتى صار مسلمة  والمسلمات قضايا  لا تقبل النقض ولا يتجه إليها  الإشكال .. قال ذاك الشاعر بيتا : 

 

السيف أصدق إنباء من الكتب   في حده الحد بين الجد واللعب 

 

بيض الصفائح لا سود الصحائف  في متونهن جلاء الشك والريب 

 

تقوم هذه المسلمة علي أن الظلم  لا يدفع الا بظلم مثله  وأن السيف لا ينفع معه الا سيف مثله 

 

ولئن كانت الشواهد  في ماضي البشرية وواقعها   لا تنعدم للتأكيد علي صدقية هذه الفرضية   إلا أن تاريخ البشرية كذلك بل ومنهج الأخيار من الرسل  والأنبياء والمصلحين فيه من الشواهد ما ينقضها  بل ويجعل خيار المسالمة حتي مع الأعداء هو الخيار الصحيح  بل هو أشد إيلاما لهم من حد السيف  ولعق السم الزعاف .. 

 

بل إن هذا المنهج كان دائما أكثر جدوائية في تحقيق أهداف أصحابه في أحيان كثيرة .. 

 

ألا يتذكر البشر المنهج الهابلي نسبة الي هابيل   ويعترفون  بكونه أقرب المناهج  إلي التقوى  والاستعلاء علي الشيطان ؟ 

 

ولماذا زكي القرآن الكريم هذا المنهج لو لم يكن يعتبره أرفع السلوكيات المحتملة في تعامل البشر فيما بينهم وهم في دار الابتلاء  ؟ 

 

(لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) [المائدة : 28 ، 29 

 

أي الرجلين بقي له ذكر في الآخرين وأي الرجلين باء بإثمه وباء بإثم كل من يقترف خطيئة مثله إلي يوم الدين  ..؟ 

 

لماذا كان منهج السلم والصفح هو النموذج الذي سلكه أولو العزم من الرسل ؟ 

 

فهذا إبراهيم عليه السلام أجمع القوم علي رميه في النار ضحوة وأمام الملإ ثم جاءت خيبتهم بتدخل  من رب  العالمين ((67) قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70 [الأنبياء : 66 - 70] 

 

ما ذا تظنون الرجل فاعل بالقوم ؟ 

 

ألم يكن بإمكانه أن يقود تمردا مسلحا  لمقاتلة النمرود وقومه المجرمين ؟   

 

لا تسعفنا الوقائع التاريخية بشيئ من ذلك . 

 

إنما كانت ردة فعله موزونة بميزان  الشرع والدين  .. 

 

لقد هجر القوم وما يعبدون وكان فعله ذلك  أشد عليهم من كل قتال فتهاوت أركان ملك النمرود   والي الابد .. 

 

إن النموذج السلمي كان وحده كفيلا بصد الناس عن تلك الآلهة الزائفة ومن ثم تهاوي أركان الكفر  وبقي إبراهيم ونهج إبراهيم مباركا في العالمين .. 

 

في نفس السياق سارت دعوة لوط كلمة طيبة وهجر بعد استنفاد سبل المصالحة 

 

 ((167) قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ (168) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169) فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170) [الشعراء : 161 - 170] 

 

وهذا تماما  هو المنهج الذي سار عليه صالح  مع ثمود الذين عقروا الناقة  أمام عينيه ؟  

 

ألم يكن بإمكانه أن يدافع عن ناقته لو أن تلك مهمته ؟؟ 

 

كان بإمكانه أن يقتل واحدا أو اثنين من الجماعة الذين أرادوا الكيد بناقته لو أن تلك مهمته ؟ 

 

  لقد عقروا الناقة  علي مرآي ومسمع منه فما ذا كان الجزاء 

 

( (64) فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) [هود : 63 - 66]

 

إن مهمة  الأنبياء والمصلحين البيان  والبيان وحده ليحيا من حيي علي بينة ويموت من يموت علي بينة .. 

 

وكان منج كليم الله موسي هو هذا المنهج عينه ..  

 

كانت دعوة موسي سلمية الي أبعد الحدود وسيلتها الموعظة الحسنة والجدال بالحسنى 

 

اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45) قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) [طه : 43 - 46] 

 

  كانت الرسل تسير علي خط واحد .. مسار واحدة   .. 

 

وهذا  عيسي عليه السلام نموذج الصفح والموادعة من ضربك علي خدك الأيمن فأعطه خدك الأيسر . 

 

ومع ذلك أوذي وأوذي بل هموا بقتله بل أشاعوا قتله .. 

 

وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158) [النساء : 157 ، 158] 

 

كان خاتم النبيين  وإمام المرسلين محمد صلي الله عليه وسلم النموذج الاعلي في كل ذلك  تتذكرون بلا شك قصته مع أهل الطائف ودعاءه الطاهر عندما ردوه خائبا وأرسلوا عليه صبيانهم يرشقونه بالحجارة حتي أدمي عقبه الشريف حيث كان يقول : 

 

( اللهم إليك أشكو ضَعْف قُوَّتِى، وقلة حيلتى، وهوإني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تَكِلُنى ؟ إلى بعيد يَتَجَهَّمُنِى ؟ أم إلى عدو ملكته أمري ؟ إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو يحل علي سَخَطُك، لك العُتْبَى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك ) . 

 

  ثم ما ذا كان جوابه لجبريل عليه السلام عندما جاء يخيره في الانتقام ؟ 

 

لو خير  غيره لكانت مدينة الطائف أثرا بعد عين ...؟ 

 

قال /(فناداني ملك الجبال، فسلم عليّ ثم قال : يا محمد، ذلك، فما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين قال النبي صلى الله عليه وسلم : بل أرجو أن يخرج الله عز وجل من أصلابهم من يعبد الله عز وجل وحده لا يشرك به شيئا ) . 

 

 وبعد هذا كله  ألا ترون هذا المنهج السلمي أصيل في الإسلام ؟ 

 

 لقد قضي صلي الله عليه وسلم منتصف عمر الرسالة وهو في مكة  يصلي في الكعبة وحوله الأوثان من كل مكان .. 

 

 هل هناك من هو أشجع منه ليكسر الأصنام لو أراد؟ 

 

هل هناك من هو أشجع من أصحابه  ؟ 

 

أليس منهم  أبو بكر وعمر  وعلي وعثمان ؟ 

 

أتراه أخر ذلك خوفا علي نفسه أو أصحابه ؟ 

 

حاشاه من ذلك ؟. 

 

إنما أخر ذلك  حتى تتكسر أصنام النفوس ومن ثم تتكسر أصنام 

 

الأحجار ؟ 

 

هذا المنهج  هو الذي سار عليه العديدون عبر التاريخ ممن ظهرت قوة منهجهم عبر التاريخ .. 

 

لقد سار الولي الصالح الشيخ أحمد بمب علي هذا المنهج .. 

 

إن قوة المنهج لا منهج القوة هي التي جعلت منهج الشيخ أحمد بمب يعم الأفاق ويهزم الاستعمار .. 

 

و قوة المنهج هي التي جعلت منهج الشيخ حماه الله ينتصر .. 

 

و قوة المنهج هي التي جعلت  المذهب السني ينتصر علي منهج 

 

الاعتزال .. 

 

و قوة الحق جعلت  دعاة خلق القرآن، ينهزمون أمام  صبر علماء السنة علي الابتلاء .. 

 

وقوة الحق هي التي جعلت مالك بن أنس يقول لا طلاق في إغلاق    فيضربه الوالي حتي تنخلع ترقوته ..  

 

هل ترون مالك بن أنس جبانا لو أراد أن يقود تذمرا ؟  

 

إن الامة اليوم بحاجة الي استلهام المنهج الاسلامي في أبعاده المتعددة 

 

وحري بنا  أن نستحضر هذا المنهج بعد أن اشتعلت الفتن وحار اللبيب في وضح النهار ؟.. 

 

انواكشوط 31 يناير 2015 

 

الدكتور الشيخ ولد الزين ولد الامام 

*الأمين العام لمنتدى الفكر الإسلامي