"وزارة التهذيب الوطني" : تعيينات لهيكلة مترهلة / محمد عمر ولد أباه ولد الشيخ سيد

سبت, 2019-02-09 10:56

أبانت تعيينات الخميس 7 فبراير - شباط 2019 عن مؤشرات مفادها أن قطاع التهذيب الوطني و التكوين المهني مايزال بحاجة للتحرر من يد مجموعة الضغط التي يصفها البعض ب(لوبي الوزارة) ، تحرر يجعل القطاع يتجاوز الوضعية السيئة التي يعيشها منذ فترة من الزمن،

تعيينات أعادت الوجوه التي أثبت معظمها عجزه عن قطع ،ولو خطوة واحدة ،بمنظومتنا التعليمية على طريق النهوض أما التطوير فهيهات،

هيكلة وصفها البعض بأنها بائسة لوزارة مترهلة، وزارة تعمل خارج السياق في بعديه الزماني و المكاني،

إنه لمن دواعي الإحباط أن تطالعنا وزارة التهذيب الوطني بكشكول من التعيينات التي ملتها الوزارة نفسها و ملها التعليم قبل وبعد، أما التهذيب فموضوع آخر،

فلو كانت لهؤلاء القدرة على الإنجاز والتطوير لما وصل تعليمنا اليوم إلى ما وصل إليه من تدن و فشل، فتلك نتائج مردها العجز عن التغيير الإيجابي في نظام تعليمي يحتاج النجدة و الانتشال من وهدة الضياع.

العبارة المتداولة في أروقة الوزارة :

"فلان في اجتماع " 

ذلك رد جميل حفظه ، و ربما وعاه ، أغلب المراجعين لمكاتب الوزارة، حتى خيل للبسطاء منهم أن كافة مشاكل التعليم موضوعة على الطاولة و أن التفكير الجاد لحلها غدا مسألة وقت ...!

بينما الواقع يثبت أن عبارة ( في اجتماع) هي أفضل طرق للتهرب من تقديم حل أو توضيح فكرة أو ٱجابة سائل...! 

 

مرة اقترحت شخصيا على وزير أسبق للتهذيب الوطني أن يكلف كل مدير بإعداد خطة لتطوير مديريته ، و بعد الاطلاع عليها من لدن أصحاب الخبرة تتم المصادقة عليها و في نهاية كل شهر يعقد اجتماع للاطلاع على درجة التقدم في تنفيذ الخطط .

أظهر لي معاليه أن الاقتراح بالغ الأهمية و أنه سيعمل به، و قبل ذلك سيطلب من كل مدير أن يوافيه بحصيلة يبين فيها التطور الحاصل في إدارته منذ توليه تسيير مهامها،

لكن شيئا لم يحدث ، و أغلب الظن هو أن " لوبي الوزارة " غير رأي الوزير لتظل الأمور تراوح مكانها : روتين إداري قاتل و غياب لروح المبادرة هي السمات الأبرز لتسيير المرفق التربوي ، وجوه معروفة ، و أفكار ضحلة ،  و أيد مزيفة ، لو قدر لها أن تنطق لصرخت بصوت عال: 

لقد أفسدت بما فيه الكفاية ، فهلا قطعتموني من مرفقي،

هياكل جسمية تغدو وتروح دون رقيب و بضمير مهني متبلد يحتاج الحد الأدنى من الأخلاق،

 

هيكلة الخميس المذكور ستكون هي القشة التي قصمت ظهر البعير، ففيها تصدق القصة التالية و عليها تنطبق:

 

سأل الخليفة العباسي أبوجعفر المنصور، أحد حكماء بني أمية، عن سبب زوال دولتهم، فقال:

 *أمورٌ كبيرة أوليناها للصغار.* 

 *وأمور صغيرة أوليناها للكبار.* 

 *وأبعدنا الصديق ثقةً بصداقته.* 

 *وقرّبنا العدو اتقاءً لعداوته.* 

 *فلم يتحوّل العدو صديقاً وتحوّل الصديق عدواً* 

 

 *فضعنا ما بين الإفراط و التفريط* 

 

شخصيا خبرت وزارة التهذيب أكثر من عشرة كاملة من السنين،و كنت الشاهد على فصلها أحيانا ووصلها أحايين كثيرة،

عرفتها وزارة الدولة،

ثم و زارة التهذيب،

ثم وزارة التعليم الأساسي،

ثم وزارة التهذيب الوطني والتكوين المهني، 

و اطلعت ميدانيا على سياسات و خطط نظيراتها في بلدان أخرى عديدة مما أتاح لي القدرة على المقارنة .

 

ففي وضعياتنا تتغير الهيكلات و لا تتبدل الأسماء...!

نتفنن في اختراع العنواين والمسميات و نبقي على الأشخاص هم نفسهم، يتقاسمون المقاعد و يقرفصون فوق الرؤوس في كل مرة ،تختفى هيكلة و هم على رأسها و تظهر أخرى و هم في مقدمتها و لا شيء يتغير نحو الأحسن،

و بين الهيكلة و الهيكلة الموالية ، يبقى شغلهم الشاغل هو مجرد البحث عن سبل البقاء على ظهر المركب الذي حاول جاهدا التخلص منهم ليريح منظومة تعليمية ملت أفكارهم الضحلة و اجتماعاتهم التي في الاغلب لا تعدو كونها مضيعة للوقت،

إنها ملامح لوحة بائسة لقطاع قال الرئيس يوما- مخاطبا أهله - وفي موقف مجموع له الناس :

 

أوصيكم *بالتعليم* ، *التعليم* ، *التعليم* .

و لم تلبث جماعة الضغط (اللوبي)المتحكم في القطاع أن نفذ

الوصية على سوء فهم لها ،

و كم كان حريا بفخامته أن يسائل في كل اجتماع للحكومة :

ماذا فعل بشان وصيتي!!؟

لسان الحال سيجيبه - و هو أبلغ من لسان المقال :

أعدت هيكلة على مقاسات البعض، فأعطت نفس الوجوه،

لا رائحة و لا لون ولا طعم تغير منها،

 أثبتت على ما كانت و نأمل أن تظل على ما كانت عليه إلى آخر الآيام و ليظل تعليمنا مزدهرا...!؟

إن وجوها قضت عقدا من الزمن في مواقع القرار من الوزارة و قد عجزت عن :

- الحد الأدنى:

1- من حسن القيادة ،

 2 - من تسيبر الموارد البشرية المتاحة( التسيب على أشده)

3- من الكفاءة في رسم و تنفيذ الخطط التي تنتشل التعليم من هوة السقوط و التردي

4- من حسن تسيير الكفاءات والخبرات التي يزخر بها القطاع والتي أصبحت معطلة بحكم أنه لا صوت يعلو صوت الزبونية و الإنتفاعية حتى و لو كان ذلك على حساب المصلحة العامة لحريبها اليوم أن تؤثر الاختفاء سبيلا لأن تتاح الفرصة لآخرين آنسوا من أنفسهم مقدرة على الإصلاح .

إنه من الطبيعي أن يصبح وضع الوزارة بهذه الدرجة غير المرضية ،فتلك نتيجة منطقية لغياب المكافأة و العقوبة مع مبدإ المساءلة و التقييم ،

إن التفتيش المالي مهم جدا لكن التفتيش الإداري يبقى هو الأهم ، فما إفساد الموارد المالية بأكثر أهمية من إهدار الطاقات البشرية و إبعاد الخبرات الوطنية من المشهد التعليمي في البلد، 

إن قطاع التهذيب الوطني قطاع له ما يميزه عن بقية القطاعات الأخرى ،ذلك أن أي هيكلة في هذا القطاع الحيوي، يجب أن تبني وفق جملة من الموجهات:

 يحددها أهل الخبرة

 و ينفذها أهل الميدان

 و يختار لتولي مهامها على المستوى المركزي أشخاص ينتظر منهم القيام بما اسند إليهم على الوجه المطلوب ، وذلك ما يقتضي أولا وقبل كل شيء اعتماد عنصر التجديد، فأصحاب الكراسي المحنطة مدعاة في الغالب للنفور وسبب في ترسيخ حالة الإحباط ،

وهي الحالة المزمنة و للأسف في مفاصل هذا القطاع.

أما الهيكلات التي تبني وفق أمزجة البعض، وتوزع فيها المسؤوليات والمهام اعتمادا على معيار المحاصصة ، و تجسيدا لإبقاء الحال على ما هو عليه من عدم إنصاف ، فهي هيكلات ستبقى معراة ، تؤخر و لا تقدم ، ترسخ الظلم و تقصي العدل ،و ستظل في دفاتر التاريخ محسوبة على أهلها إن عاجلا أو آجلا،

 

 

 *خبير في تقويم السياسات التعليمية*